أي: عن حكمة اختلاف الأهلة بالزيادة والنقص، قُلْ لهم يا محمد: هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ يُوقِّتُون بها دُيونهم، ويعرفون بها أوقات زَرْعهم، وعِدَدَ نسائهم وصيامهم. وهي أيضاً مواقيتُ للحج، يعرفون بذلك وقت دخوله وخروجه، فيعرفون الأداء من القضاء، فلو كانت على حالة واحدة لم يعرفوا ذلك. أجابهم الحق تعالى بغير ما ينتظرون أشارة إلى أن السؤال عن سر الاختلاف، ليس فيه منفعة شرعية، وإنما ينبغي الاهتمام بما فيه منفعة دينية.
قال أهل الهيئة: إن نورة من نُور الشمس، وجِرْمه أَطْلَس، فكلما بعد من مُسَامته الشمس قابَله نورُها، فإذا قرب منها لم يقابله من نورها إلا بعض جِرمه، فإذا دخل تحتها في الفلك كان ظَهره كله إليها، فلم يقابله شيء من نورها، فإذا خرج من تحتِها قابله بقدر ذلك، والله تعالى أعلم.
الإشارة: إذا ظهر هلال السعادة في أفق الإرادة، وهبَّت ريح الهداية من ناحية سابق العناية، دخل وقت حج القلوب إلى حضرة علام الغيوب، فهلال الهداية للسائرين، وهم أرباب الأحوال أهل التلوين، يزداد نوره بزيادة اليقين، وينقص بنقصانه، على حسب ضعف حاله وقوته، حتى يتحقق الوصال، ويُرزق صفة الكمال. وأنشدوا:
كُلَّ يومٍ تَتَلَوَّنْ ... غيرُ هذا بِكَ أَجْمَلْ
فصاحب التلوين بين الزيادة والنقصان، إلى أن تطلع عليه شمس العرفان، فإذا طلعت شمس العرفان فليس بعدها زيادة ولا نقصان، وأنشدوا:
بخلاف صاحب التمكين فإنه أبداً في ضياء معرفته، متمكن في بُرج سعادته، لا يلحق شمسَه كسوف ولا حجابٌ، ولا يستر نورَها ظلمةٌ ولا سحاب، فلو طلب الحجاب لم يُجَبْ. قال بعض العارفين:(لو كُلفت أن أرى غيره لم أستطع، فإنه لا غير معه حتى أشهده) .
ثم حذَّر الحق تعالى مما ابتدعه المشركون في الحج، فقال: