للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة، وقيل: أكثر، وسيأتي. وأدرك داود عليه السلام، وأخذ منه العلم. وكان يُفتي قبل مبعث داود، فلما بُعث قطع الفتوى، فقيل له في ذلك؟ فقال: ألا أكتفي إذا كُفيت. وقيل: كان خياطاً، وقيل: نجاراً، وقيل: راعياً. وقيل: كان قاضياً في بني إسرائيل. وقال عكرمة والشعبي: كان نبياً، والجمهور على أنه كان حكيماً فقط. وقد خُير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة، وهي الإصابة في القول والعمل. وقيل: تتلمذ لألف نبي وتتلمذ له ألف نبي. قاله النسفي.

قال ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً كثير التفكر، حسن اليقين، أحب الله فأحبه، فمنَّ عليه بالحكمة. كان قائماً فجاءه نداء: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض، تحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت، فقال: إن خيرني ربي قبلت العافية، وإن عزم عليّ فسمعاً وطاعة، فإني أعلم إن فعل ذلك بي عصمني وأعانني. قالت الملائكة بصوت ولا يراهم: لِمَ يا لقمان؟ فقال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، إن يُعَن، فالبحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلاً، خير من أن يكون شريفاً، ومن يختر الدنيا على الآخرة تفُته الدنيا، ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فأُعطى الحكمة، فانتبه وتكلم بها «١» . هـ.

قال مجاهد: كان لقمان عبداً أسود، عظيم الشفتين، مُشققَّ القدمين «٢» . زاد في اللباب: وكانت زوجته من أجمل أهل زمانها. قيل: لم يزل لقمان، من زمن داود، مظهراً للحكمة والزهد، إلى أيام يونس بن متى. وكان قد عمّر عمر سبعة أنس، فكان آخر نسوره «لبذ» . رُوي أنه أخذ نسراً صغيراً فربّاه، وكان يصرفه في حوائجه، فعاش ذلك النسر ألف سنة ومات، ثم أخذ نسراً آخر، فعاش خمسمائة سنة، ثم أخذ آخر، فعاش مثل ذلك، إلى السابع، عاش خمسمائة سنة، واسمه لبذ، فقال له لقمان يوماً: يا لبذ انهض إلى كذا، فأراد النهوض فلم يستطع، وإذا بوتر لقمان قد اختلج، وكان لم يألم قط، فنادى بأهله وعشيرته، وعلم أن أجله قد قرب، وقال: إن أجلي قد حضر بموت هذا النسر، كما أعلمني ربي، فإذا مت فلا تدفنوني في الكهوف والمقابر، كما [تدفنون] «٣» الجبابرة، ولكن ادفنوني في ضريح الارض، فدفنوه كما أوصاهم، فقال ابن ثعلبة:

رَأَيْتُ الْفَتَى يَنْسَى مِنَ الْمَوتِ حَتْفَهُ ... حَذُوراً لِرَيْبِ الدَّهْرِ، والدَّهْرُ آكِلُهْ

فَلَوْ عَاشَ مَا عَاشَت بِلُقْمَانَ أَنْسُرٌ ... لَصَرْفْ المَنَايَا، بعد ذلك، حافله


(١) عزاه السيوطي فى الدر (٥/ ٣١١) للحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن أبى مسلم الخولاني مرفوعا.
(٢) أخرجه الطبري (٢١/ ٦٧) .
(٣) فى الأصول (تدفنوا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>