والبهائِم وسائر الحيوانات. وبه قال مالك وأشهب. وذهب قوم إلى أن أرواح البهائم وسائر الحيوانات إنما تَقبض أرواحَهَا أعوانُ ملك الموت. وذهب قوم إلى أن الموت في حق غير بني آدم، إنما هو عَدَمٌ مَحْضٌ، كيبس الشجر وجفاف الثياب، فلا قبض لأرواحها، وهو أعلم من كونها تُبعث، أو: لا بأن تعاد عن عدم، بخلاف المكلف، فإن روحه لا تعدم، خلافاً للملاحدة، فإنهم جعلوا الموت كله عدماً محضاً، كجفاف العود الأخضر، وهو كفر.
هذا وقد اختلف في كون الموت ضد الحياة، فيكون معنىً وجودياً، أو هو عدم الحياة، فيكون عدماً، وعلى كلا القولين فألأرواح باقية بعد مفارقة الأبدان، منعّمة أو معذبة.
وَلَوْ تَرى يا محمد إِذِ الْمُجْرِمُونَ وهم الذين قالوا: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ ... إلخ، و «لو» و «إذ» للماضي، وإنما جاز هنا لأن المُتَرَقَّبَ محقق الوقوع. و (ترى) ، هنا، تامة، لا مفعول لها، أي: لو وقعت منك رؤيةٌ إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ أي: وقت كون المجرمين ناكسي رؤوسهم من الذل والحياء والندم، عِنْدَ رَبِّهِمْ عند حساب ربهم، قائلين: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا أي: صدَّقنا الآن وعدك ووعيدك، وأبصرنا ما حدثَتْنَأ به الرسلُ، وسمعنا منك تصديق رسلك، فَارْجِعْنا إلى الدنيا نَعْمَلْ صالِحاً من الإيمان والطاعة، إِنَّا مُوقِنُونَ بالبعث والحساب الآن. وجواب «لو» : محذوف، أي: لرأيت أمراً فظيعاً.
وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها أي: ما تهتدي به إلى الإيمان والطاعة، أي: لو شئنا لأعطيناء في الدنيا، كل نفس ما عندنا من اللُطف الذي، لو كان منهم اختيارُ ذلك، لاهتدوا. لكن لم نعطهم ذلك اللطف لِمَا علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره. وهو حجة على المعتزلة فإن عندهم: قد شاء الله أن يعطي كل نفس ما به اهتدت، وقد أعطاها، لكنها لم تهتد، وأَوّلوا الآية بمشيئة الجبر، وهو فاسد. قال تعالى: وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، أي: ولكن وجب القول مني لأعمرنّ جهنم من الجِنَّة والناس، الذين علمت منهم أنهم يختارون الكفر والتكذيب. وفي تخصيص الجن والإنس: إشارة إلى أنه عصم الملائكة من عمل يستوجبون به جهنم. وفي الآية ما يقتضي تخصيص أهل النار بالجن والإنس، فيرد ما يُذكر أنه كان قبل آدم أُمم كفروا، ولا يصح ذلك، إلا أن يكونوا من الجن.
فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي: باشروا وبال ترككم العمل للقاء يومكم هذا، وهو الإيمان به. إِنَّا نَسِيناكُمْ: تركناكم في العذاب، وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ أي: العذاب الدائم الذي لا انقطاع له بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الكفر والمعاصي.