للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذنب والنعمة عليه، ولذلك قيل: ليست المعصية في القُرب كالمعصية في البُعد. وليس لأحد من النساء مثل فضل النساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا كان الذم للعاصي العالم أشدّ منه للعاصي الجاهل لأن المعصية من العالِم أقبح، وفي الحديث: «أشَدُّ النَّاس عَذَابًا يَومَ القِيَامَةِ عَالِمٌ لَم ينْفَعْهُ الله بعلْمِه» «١» لقوة الجرأة في العالم دون غيره. ولهذا أيضاً فضل حدّ الأحرار على العبيد، ولم يرجح الكافر. وَكانَ ذلِكَ أي: تضعيف العذاب عليهن عَلَى اللَّهِ يَسِيراً هيناً.

وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ أي: يدم على الطاعة لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ أي: مثل ثوابي غيرها، مرة على الطاعة، ومرة على طلبهن رضا النبي صلى الله عليه وسلم، بالقناعة، وحسن المعاشرة. وقرأ حمزة والكسائي بالغيب «٢» على لفظ «من» ، وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً جليل القدر، وهو الجنة.

الإشارة: من شأن الملِك أن يُعاتب الوزراء بما لا يعاتب غيرهم، ويهددهم بما لا يهدد به غيرهم، ويعطيهم من التقريب والكرامة ما لا يُعطي غيرهم، فإن هفوا وزلُّوا عاتبهم، ثم يردهم إلى مقامهم، وربما سمح وأغضى.

والغالب: أن الحق تعالى يعجل عتلت خواصه، في الدنيا قبل الآخرة، بمصائب وأهوال، تصفيةً وتطهيراً، ولا يُبعدهم من حضرته بما اقترفوا. قال القشيري: زيادةُ العقوبة على الجُرْمِ من أمارات الفضيلة، كحدّ الحر والعبد، وتقليل ذلك من أمارات النقص، ولَمَّا كانت منزلتُهن في الشرف تزيد وتربو على منزلة جميع النساء، تضاعفت عقوبتهن على أجْرامهن، وتضاعف ثوابَهن على طاعتِهن، فقال: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ ... وقال: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ... الآية هـ. والله تعالى أعلم.

ثم وصّاهن بما يليق بجنابهن المعظم، فقال:

يا نِساءَ النَّبِيِّ ...


(١) رواه الطبراني فى الصغير (١/ ١٨٢) والبيهقي فى الشعب (ح ١٧٧٨) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، وقال الهيثمي فى المجمع (١/ ١٨٥) (: رواه الطبراني فى الصغير، وفيه عثمان البرسي، ضعّفه أحمد، والنسائي، والدارقطني.
(٢) قرأ حمزة والكسائي «يعمل» و «يؤتها» بالياء، وقرأ الباقون «تعمل» و «نوتها» . انظر الحجة للفارسى (٥/ ٤٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>