للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصلي، فعجبت من هاتين، هل سبقني أبو بكر إلى هذا المقام، وإن ربي لغنيٌّ عن أن يصلِّي؟ فقال تعالى: أنا الغني عن أن أُصلّي لأحد، وإنما أقول: سبحاني، سبقت رحمتي غضبي. اقرأ يا محمد: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ... الآية، فصلاتي رحمة لك ولأمتك. ثم قال. وأما أمر صاحبك، فخلقت خلقاً على صورته، يُناديك بلغته، ليزول عنك الاستيحاش، لئلا يلحقك من عظيم الهيبة ما يقطعك عن فهم ما يراد منك» .

والمراد بصلاة الملائكة: قولهم: اللهم صَلّ على المؤمنين. جُعلوا- لكون دعائهم بالرحمة مستجاباً- كأنهم فاعلون الرحمة. والمعنى: هو الذي يترحّم عليكم ويترأف، حيث يدعوكم إلى الخير، ويأمركم بإكثار ذكره، ويأمر ملائكته يترحّمون عليكم، ويستغفرون لكم، ليقربكم، ويخصكم بخصائص ليست لغيركم. بدليل: لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ثم من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، ثم من ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة، ثم من ظلمات الحجاب إلى نور العيان. وقيل: يُصَلِّي عليكم: يشيع لكم الذكر الجميل في عباده.

وَكانَ الله بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً، قد اعتنى بصلاح أمرهم، وإثابة أجرهم، واستعمل في خدمتهم ملائكتَه المقربين، وهو دليل على أن المراد بالصلاة: الرحمة، حيث صرَّح بكونه رحيماً بهم. قال أنس: لمّا نزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال أبو بكر: يا رسول الله ما خصك الله بشريف إلا وقد اشتركنا فيه، فأنزل قوله: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ... الخ «١» .

تَحِيَّتُهُمْ أي: تحية الله لهم، فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله، يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ عند الموت. قال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن، قال: ربك يُقرئك السلام «٢» . أو: يوم الخروج من القبور، تُسلِّم عليهم الملائكة وتُبشرهم. أو: يوم يرونه في الجنة، سَلامٌ، يقول الله تبارك وتعالى: «السلام عليكم يا عبادي، هَلْ رَضيتُم؟ فَيَقُولونَ: وَما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيت ما لم تُعط أحداً من العالمين. فيقول لهم: أعطيكم أفضل من ذلك، أُحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم أبداً» كما في البخاري «٣» . وفي رواية غيره: يقول تعالى:


(١) عزاه السيوطي فى الدر المنثور (٥/ ٣٨٩) لعبد بن حميد، وابن المنذر، عن مجاهد. وذكره البغوي فى التفسير (٦/ ٣٦٠) عن أنس رضي الله عنه.
(٢) عزاه السيوطي فى الدر (٥/ ٣٩٠) للمروزى فى الجنائز، وابن أبى الدنيا، وأبى الشيخ.
(٣) سبق تخريج الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>