للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُبدلوا ذلك بذكر الله، وذكر إحسانه إليهم، وشكر ما أسداه إليهم من مفاخر الدنيا والآخرة، إن آمنوا واتبعوا رسوله صلّى الله عليه وسلم.

الإشارة: إذا وقَفَت القلوبُ على جَبل عرفة المعارف، وتمكنت من شهود جمال معاني تلك الزخارف، حتى صارت تلك المعاني هي روحَها وسرَّها، وإليها مآلها ومسيرُها، أُمرتْ بالنزول إلى أرض العبودية، والقيام بوظائف الربوبية، شكراً لما هداها إليه من معالم التحقيق، وما أبان لها من منار الطريق، وإن كانت من قبله لمن الضالين عن الوصول إلى رب العالمين. ثم يؤمرون بمخالطة الناس بأشباحهم، وانفرادهم عنهم بأرواحهم. أشباحُهم مع الخلق تسعى، وأرواحهم في الملكوت ترعى، فإذا وقع منهم ميل أو سكون إلى حِسّ فليستغفروا الله إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. ثم يقال لهم: فإذا قضيتم مناسككم، بأن جمعتم بين مشاهدة الربوبية في باطنكم، والقيام بوظائف العبودية في ظاهركم، فاذكروا الله على كل شيء، وعند كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، حتى لا يبقى من الأثر شيء، كما كنتم تذكرون آباءكم وأبناءكم، في حال غفلتكم، بل أشد ذكراً وأعظم وأتم، والله ذو الفضل العظيم.

ثم بين الحق تعالى مقاصد الناس، وهممهم في طلبهم وسعيهم، فقال:

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ...

يقول الحق جلّ جلاله في بيان مقاصد الناس وهممهم في طلبهم في الحج وغيره: فَمِنَ النَّاسِ من قصرت نيته وانحطت همته، يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا ما تشتهيه نفوسنا من حظوظها وشهواتها، وليس له فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي: نصيب، لأنه عجَّل نصيبه في الدنيا. «إن الله يرزق العبدَ على قدر نيته» وَمِنْهُمْ من أراد كرامة الدنيا وشرف الآخرة يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حالة حَسَنَةً كالمعرفة، والعافية، والمال الحلال، والزوجة الحسنة، وجميع أنواع الجمال، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً كالنظرة، والحُور العين، والقصور، وجميع أنواع النعيم، وَقِنا عَذابَ النَّارِ بالعفو والمغفرة، وقال سيدنا علي- كرّم الله وجهه-: (الحسنة في الدنيا: المرأة الصالحة، وفي الآخرة: الحَوْرَاء. وعذاب النار في الدنيا: المرأة السوء) وقال الحسن: (الحسنة في الدنيا: العلم والعبادة، وفي الآخرة: الجنة) . وَقِنا عَذابَ النَّارِ: احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية إلى النار، وهذه كلها أمثلة للحالة الحسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>