للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم لأن سائر المؤمنين قصّروا على أربع نسوة، وأبيح له- عليه الصلاة والسلام- أكثر من ذلك. ومذهب مالك:

أن النكاح بلفظ الهبة لا ينعقد، خلافاً لأبي حنيفة. هـ. قلت: إن قرنه ذكر الصداق جاز، كما في المختصر.

و (خالصة) : مصدر مؤكد، أي: خلُص إحلالها، أو: إحلال ما أحللنا لك على القيود المذكورة خلوصاً لك. أو:

حال من الضمير في (وهبت) ، أو: صفة لمصدر محذوف، أي: هبة خالصة لك.

قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ أي: ما أوجبنا من المهور على أمتك في زوجاتهم، أو:

ما أوجبنا عليهم في أزواجهم من الحقوق، كالنفقة وحسن المعاشرة، أو: ما فرضنا عليهم من الاقتصار على الأربع، أو: ما أوجبنا عليهم من الإشهاد والولي، وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ بالشراء وغيره من وجوه الملك، فقد علمنا ما فرضنا عليهم من الإنفاق والرفق، وألا يكلفوهن ما لا طاقة لهن به، مع حلية الوطء، ولو تعددن. وإنما وسَّعنا عليك في أمر النساء لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ضيق، وهو راجع لقوله: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.

والجملة من قوله: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا.. الخ: اعتراضية للدلالة على أن الفرق بينه وبين المؤمنين في نحو ذلك ليس لمجرد التوسيع عليه، بل لمعان تقتضي التوسيع عليه والتضييق عليهم تارة، والعكس أخرى، كنكاح الكتابية والأَمة، فتحرمان عليه صلى الله عليه وسلم دون أُمته. وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً بالتوسعة على عباده، أو: غفوراً لما يُعسر التجرُّد عنه، رحيماً بالتوسعة في مظان الحرج.

الإشارة: قد وسَّع الله على خواصه في باب النكاح، وأمدّهم في ذلك بالقوة، وأعطاهم من الباءة ما لم يُعط غيرهم، تشريفاً وترغيباً في هذا الأمر، لإبقاء النسل الطيب، ولِما فيه من التوسعة في المعرفة، وحسن الخلق، وتعلم السياسة، فدلّ ذلك أن كثرة النساء لا يُنافي الزهد، ولا يقدح في كمال المعرفة، بل يزيد فيها. قال الإمام ابن منصور المقدسي، في شرح منازل السائرين- في باب الزهد-: ومتعلق الزهد ستة أشياء، لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها، وهي: المال، والرئاسة، والناس، والنفس، وكل ما دون الله. وليس المراد رفضها عن الملِك، فقد كان داود وسليمان- عليهما السلام- من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المُلك والنساء والمِلك ما لهما. وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أزهد البشر على الإطلاق، وله تسع نسوة، وكان عليّ بن أبي طالب- كرّم الله وجهه، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان- رضوان الله عليهم- من الزهاد، مع مالهم من الأموال- أي: والنساء- فكان لعلىّ رضي الله عنه أربع حرائر، وسبعة عشر سرية، ولعبد الرحمن بن عوف والزبير أربع أربع، ولعثمان كذلك. وتزوج المغيرة بن شعبة تسعاً وتسعين امرأة. ثم قال: وكان الحسن بن علىّ- رضى الله عنهما- من الزهّاد، مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء ونكاحهن. ثم قال: ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن وغيره، قال: ليس الزهد في الدنيا

<<  <  ج: ص:  >  >>