للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: (لنُغرينك) : جواب القسم المغني عن جواب الشرط. و (ثم لا يُجاورنك) : عطف عليه لأنه يصح أن يُجاب به القسم لصحة قولك: لئن لم ينتهوا لا يُجاورنك، ولَمَّا كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أُصيبوا به عطف بثم، لبُعد حاله عن حال المعطوف عليه. و (ملعونين) : نصب على الشتم أو الحال، والاستثناء دخل على الظرف والحال معاً، أي: لا يُجاورنك إلا قليلاً في اللعنة والبُعد، ولا يصح نصبه بأُخذوا لأن ما بعد حرف الشرط لا يعمل فيما قبله.

يقول الحق جلّ جلاله: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عن نفاقهم وإيذائهم، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فجور، وهم الزناة من قوله: «فيطمع الذي في قلبه مرض» . وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ، وهم أُناس كانوا يُرجفون بأخبار السوء في المدينة، من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: هُزموا وقُتلوا، وجرى عليهم كيت وكيت، فيكسرون بذلك قلوبَ المؤمنين. يقال: رجف بكذا: إذا أخبر به على غير حقيقته لكونه خبراً مزلزلاً غير ثابت، من:

الرجفة، وهي الزلزلة، لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ: لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم، أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء، أو:

لنُسلطنك عليهم، ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها في المدينة إِلَّا زمناً قَلِيلًا.

والمعنى: لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عما يُلقون من أخبار السوء، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوءهم، بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء من المدينة، وألاّ يُساكنوك فيها إلاّ زمناً قليلاً، ريثما يرتحلون. فسمّي ذلك إغراء، وهو التحريشُ، على سبيل المجاز. حال كونهم مَلْعُونِينَ أي: لا يجاورونك إلا ملعونين، مُبعدين عن الرحمة أَيْنَما ثُقِفُوا وُجدوا، أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا، والتشديد للتكثير.

سُنَّةَ اللَّهِ أي: سنَّ اللهُ ذلك سُنَّة فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ في المنافقين الذين كانوا يُنافقون الأنبياء من قبل، ويسعون في وهنهم بالإرجاف ونحوه أن يقتّلوا أينما وُجدوا، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أي: لا يُبدل الله سُنَّته ولا يقدر أحد أن يبدلها، بل يُجريها مجرىً واحداً في الأمم كلهم.

قال ابن جزي: تضمنت الآية وعيد هؤلاء الأصناف إن لم ينتهوا، ولم ينفُذ الوعيد فيهم. ففي ذلك دليل على بطلان القول بوجوب إنفاذ الوعيد في الآخرة. وقيل: إنهم انتهوا وستروا أمرهم فكف عنهم إنفاء الوعيد. هـ.

الإشارة: منافقو الصوفية هم الذين ينتسبون إلى الصوفية، ويدّعون محبة القوم، وهم يعترضون على الفقراء، ويرفعون الميزان عليهم، وهم الذين في قلوبهم مرض، أي: حيرة وضيق من غم الحجاب إذ لو ارتفع عنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>