وهذا السر الذي خُصّ به الآدمي هو كامن فيه، من حيث هو، كان كافراً أو مؤمناً، كما كَمُن الزبد في اللبن، فلا يظهر إلا بعد الترييب والضرب والمخض، وإلا بقي فيه كامناً، وكذلك الإنسان، السر فيه كامن، وهو نور الولاية الكبرى، فإذا آمن ووحّد الله تعالى، واهتز بذكر الله، وضرب قلبه باسم الجلالة، ظهر سره، إن وجد شيخاً يُخرجه من سجن نفسه وأسر هواه.
وله مثال آخر، وهو أن كمون السر فيه ككمون الحَب في الغصون قبل ظهوره، فإذا نزل المطر، وضربت الرياح أغصان الأشجار، أزهرت الأغصان وأثمرت، وإليه أشار في المباحث الأصلية، حيث قال:
وَهِيَ مِن النفوس في كُمُون ... كما يكون الحَبُّ في الغصون
حتى إذا أرعدت الرعود ... وانسكب الماء ولان العود
وجال في أغصانها الرياح ... فعندها يرتقب اللقاح
ثم قال:
فهذه فواكه المعارف ... لم تشر بالتالِد أو بالطارف «١»
ما نالها ذو العين والفلوس ... وإنما تُباع بالنفوس
فلا يظهر هذا السر الكامن في الإنسان إلا بعد إرعاد الرعود فيه، وهي المجاهدة والمكابدة، وقتل النفوس، بخرق عوائدها، وبعد نزول أمطار النفخات الإلهية، والخمرة الأزلية، على يد الأشياخ، الذين أهَّلهم الله لسقي هذا الماء، وتجول في أغصان عوالمه رياح الواردات، وينحط مع أهل الفن، حتى يسري فيه أنوارهم، ويتأدّب بآدابهم، فحينئذ ينتظر لقاح السر فيه، ويجني ثمار معارفه، وإلا بقي السر أبداً كامناً فيه. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
(١) التالد: المال القديم الأصلى، الذي ولد عندك، وطال فى ملكك. انظر اللسان (تلد، ١/ ٤٣٩) والطارف والطريف: الحادث من المال، أي: الذي تجدد ملكه، وهو ضد التالد. انظر (طرف، ٤/ ٢٦٥٧) وانظر شرح الأبيات فى الفتوحات الإلهية (١١٧- ١٢٦) . [.....]