للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: نزلت في المنافقين ومَنْ نحَا نحوهم، وفيمن باع نفسه لله في الجهاد وتغيير المنكر من المسلمين. و (في الحياة الدنيا) يتعلق بالقول، و (ألد الخصام) شديده، وفي الحديث: «أبْغَضُ الرِّجالِ إلى اللهِ الألدُّ الخَصِم» .

والخِصام: مصدر، أو جمع خصيم.

يقول الحق جلّ جلاله: وَمِنَ النَّاسِ قوم حلو اللسان خرَاب الجَنَان، إذا تكلم في شأن الدنيا يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فيها لرونقه وفصاحته، وَيُشْهِدُ اللَّهَ أي: يحلف على أنه موافق لقلبه، وأن ظاهره موافق لباطنه، وهو شديد الخصومة والعداوة للمسلمين، أو أشد الخصوم، وَإِذا تَوَلَّى أي: أدبر وانصرف عنك، سَعى فِي الْأَرْضِ أي: مشى فيها بنية الإفساد لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ كما فعل الأخنَسْ، أو كما فعله أهل الظلم، فيَحْبِسُ الله القَطْر، فَيَهْلِكَ الحرثُ والنسل بشؤم معاصيهم، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ أي: لا يرتضيه، فاحذروا غضبه. وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وارجع عما أنت عليه من الفساد أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ أي: حملته الحمية والأنفة بسبب الإثم الذي ارتكبه، فلا ينزجر عن غَيِّه. أو حملَتْه الحمية على الإثم الذي يُؤمَر باتقائه. فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ أي: كَفَته عذاباً وعقاباً، وهي عَلَمٌ لدار العقاب، كالنار، وَلَبِئْسَ الْمِهادُ هي، أي: بئس الفراش الذي مهَّده لنفسه.

ونزل في مقابله، وهو صهيب، أو كل من بذل نفسه لله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ أي: يبيعُها ويبذلها لله في الجهاد وغيره، ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ والوصول إلى حضرته وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ الذين يفعلون مثل هذا، فيدرأ عنهم المضَارّ، ويجلبُ لهم المَسَار أينما حَلُّوا من الدارين.

الإشارة: الناس على قسمين: قسم زَيّنُوا ظواهرهم وخرَّبوا بواطنهم، ظاهرهم جميل وباطنُهم قبيح، إذا تكلموا في الدنيا أو في الحس، أعجبَك قولهم، وراقك منظرُهم، وإذا تكلموا في الآخرة، أو في المعنى، أخذتهم الحبْسةُ والدهشة. وفي بعض الكتب المنزلة: «إنَّ مِنْ عِبَاد الله قوماً ألْسنَتُهُم أحْلَى منَ العَسَلِ، وَقُلُوبُهُمْ أمرّ مِنْ الصَّبْرِ، يَلْبَسُونَ للنَّاس جُلُودَ الضَّأنِ مِن اللِّينِ، يَجْتَرُّون الدُّنْيَا بالدين، يَقُولُ الله تعالى: أبِي يَغْتَرُّونَ، وعليَّ يَجْترِئُون؟ حَلَفتْ لأُسلطنَّ عليهمْ فتْنةٌ تَدَعُ الْحَليم مِنْهُمْ حَيْرَانَ» .

وقوله (يلبسون ... ) الخ. كناية عن إظهار اللين والسهول ليخدع ويغر الناس ليتوصل إلى حظ نفسه من الدنيا، ومع ذلك يدعي موافقة ظاهره لباطنه، وهو شديد الخصومة لأهل الله، وإذا تولى عنك اشتغل بالمعاصي والذنوب، ليُفسد في الأرض، ويهلك الحرث والنسل بشؤم معاصيه، وإذا ذُكِّر: أنِفَ واستكبر، وأخذته حمية الجاهلية، فحسبُه البُعد في نار القطيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>