للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أي: لا يستوي الكافر والمؤمن، أو الجاهل والعالم. وقيل: هما مثلان للصنم ولله تعالى. وَلَا الظُّلُماتُ كالكفر والجهل، وَلَا النُّورُ كالإيمان والمعرفة، وَلَا الظِّلُّ كنعيم الجنان، وَلَا الْحَرُورُ كأليم النيران. والحَرور: الريح الحارّ كالسموم، إلا أن السموم يكون بالنهار، والحرور يكون بالليل والنهار. قاله الفرّاء.

وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ، تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين، أبلغ من الأول، ولذلك كرر الفعل، وقيل: للعلماء والجهال. وزيادة «لا» في الجميع للتأكيد، وهذه الواوات بعضها ضمت شفعاً إلى شفع، وبعضها وترأً إلى وتر. إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ بهدايته وتوفيقه لفهم آياته والاتعاظ بها. وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، شبّه الكفار بالموتى، حيث لا ينتفعون بمسموعهم، مبالغة في تصاممهم، يعني أنه تعالى عَلِمَ مَن يدخل في الإسلام ممن لا يدخل فيهدي مَن يشاء هدايته، وأما أنت فخفي عليك أمرهم، فلذلك تحرص على إسلام قوم مخذولين، فإنذار هم كإنذار مَن في القبور من الموتى.

قال ابن عطية: الآية تمثيل بما يحسّه البشر، ويعهده جميعنا من أنَّ الميت الذي في القبر لا يسمع، وأما الأرواح فلا نقول: إنها في القبر، بل تتضمن الأحاديث أن أرواح المؤمنين في شجر عند العرش، وفي قناديل وغير ذلك «١» ، وأن أرواح الكفرة في سجِّين، ويجوز في بعض الأحيان أن تكون الأرواح عند القبور، فربما سمعت، وكذلك أهل قليب بدر، إنما سمعت أرواحهم، فلا تعارض بين الآية وحديث القليب. هـ «٢» .

ثم قال تعالى: إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ أي: ما عليك إلا التبليغ والإنذار، فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفعه، وإن كان من المصريين فلا عليك.

إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ أي: محقاً، أو: محقين، أو: إرسالاً مصحوباً بالحق، فهو حال من الفاعل، أو المفعول، أو صفة لمصدر محذوف، بَشِيراً لمَن آمن وَنَذِيراً لمَن كفر، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ أي:

ما من أُمة من الأمم الماضية، قبل أمتك، إلا فيها نذير نبيّ، أو عالم، يخوفهم. ويقال لأهل كل عصر: أمة.

والمراد هنا: أهل العصر. قال ابن عطية: معناه: أن دعوة الله تعالى قد عمَّت جميع الخلق، وإن كان فيهم مَن لم تباشره النِّذارة، فهو ممن بَلَغَته الدعوة، لأن آدم بُعث إلى بنيه، ثم لم تنقطع النذارة إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم. والآية


(١) من هذه الأحاديث ما أخرجه الدارمي فى (الجهاد، باب أرواح الشهداء) عن مسروق، قال: سألنا عبد الله فى أرواح الشهداء ولولا عبد الله لم يحدثنا أحد. قال: أرواح الشهداء عند الله يوم القيامة في حواصل طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح فى أىّ الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديلها، فيشرف عليهم ربهم، فيقول: ألكم حاجة؟ تريدون شيئا؟ فيقولون: لا، إلا أن نرجع إلى الدنيا فنقتل مرة أخرى.
(٢) النقل باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>