للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ذلك القائل لمَن معه في الجنة: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ معي إلى النار، لأريكم حال ذلك القرين. قيل:

إن في الجنة كُوىً ينظر أهلُها منها إلى أهل النار. قلت: حال الجنة كله خوارق، فيُكشف لهم عن حال أهل النار كيف شاء. وقيل: القائل: هو الله، أو: بعض الملائكة. يقول لهم: هل تُحبون أن تطلعوا على أهل النار، لأريكم ذلك القرين، أو: لتعلموا منزلتكم من منزلتهم. قال الكواشي: أو: إن المؤمن يقول لإخوانه من أهل الجنة: هل أنتم ناظرون أخي في النار؟، فيقولون له: أنت أعرف به منا، فانظر إليه. فَاطَّلَعَ على أهل النار فَرَآهُ أي:

قرينه فِي سَواءِ الْجَحِيمِ في وسطها.

قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ لتُهلكني بإغوائك. و «إن» مخففة، واللام: فارقة، أي: إنه قربت لتهلكني، وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي عليَّ بالهداية، والعصمة، والتوفيق للتمسُّك بعروة الإسلام، لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ معك، أو: من الذين أُحضروا العذاب، كما أُحْضِرْتَه أنت وأمثالك.

أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ، إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، الفاء للعطف على محذوف، أي: أنحن مخلّدون فما نحن بميتين ولا معذّبين. وعلى هذا يكون الخطاب لرفقائه في الجنة، لما رأى ما نزل بقرينه، ونظر إلى حاله وحال رفقائه في الجنة، تحدُّثاً بنعمة الله. أو: قاله بمرأى من قرينه ومسمع ليكون توبيخاً له، وزيادة تعذيب، ويحتمل أن يكون الخطاب لقرينه، كأنه يقول: أين الّذي كنت تقول في الدنيا من أنَّا نموت، وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب؟ كقوله: إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى «١» والتقدير: أكما كنت تزعم هو ما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى، وما نحن بمعذَّبين، بل الأمر وقع خلافَه، وكان يقال له: نحن نموت ونُسأل في القبر، ثم نموت ونحيا، فيقول:

ما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذَّبين.

وقوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.. إلخ، يحتمل أن يكون من خطاب المؤمن لقرينه، وأن يكون من خطاب الله تعالى لنبيه- عليه الصلاة والسلام، أي: إن هذا النعيم الذي نحن فيه لهو الفوز العظيم. ثم قال اللهُ- عَزّ وجل: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ أي: لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون، لا للحظوظ الدنيوية، المشوبة بالآلام، السريعة الانصرام. أو: لمثل هذا فليجتهد المجتهدون، مادام يُمكنهم الاجتهاد، فإنَّ الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، فبقدر ما يزرع هنا يحصد ثَمَّ، وسيندم المفرط إذا حان وقت الحصاد.


(١) الآية ٣٥ من سورة الدخان.

<<  <  ج: ص:  >  >>