للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ياقوتتان، فَقالَ لها، استهزاء: أَلا تَأْكُلُونَ من الطعام الذي وُضع عندكم، ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ؟.

والجمع بالواو والنون لأنه خاطبها خطاب مَن يعقل. فَراغَ عَلَيْهِمْ فمال إليهم سرًّا، فضربهم ضَرْباً بِالْيَمِينِ أي: ضرباً شديداً بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدّهما، أو: بالقوة والمتانة، أو: بسبب الحلف الذي سبق منه بقوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ «١» .

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ إلى إبراهيم يَزِفُّونَ: يسرعون، من: الزفيف، وهو الإسراع. وكان قد رآه بعضهم يكسرها. فأخبرهم، فلما جاء مَن لم يره قال لمَن رآه: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا «٢» فأجابوه على سبيل التعريض:

سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ «٣» ، ثم قالوا بأجمعهم: نحن نعبدها وأنت تكسرها؟، فأجابهم بقوله:

قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ: ما تنجرونه بأيديكم من الأصنام؟ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ أي: وخلق ما تعملونه من الأصنام. أو: «ما» مصدرية، أي: وخلق أعمالكم. وهو دليلنا في خلق الأفعال لله تعالى، أي: الله خالقكم وخالق أعمالكم، فلِمَ تعبدون غيره؟!.

قالُوا ابْنُوا لَهُ أي: لأجله بُنْياناً من الحجر، طوله ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً، فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ في النار الشديدة: وقيل: كل نار بعضها فوق بعض فهو جحيم. فبنوه وملؤوه حطباً، وأضرموه ناراً، فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً بإلقائه في النار، فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ المقهورين عند إلقائه، حين خرج من النار سالماً، فعلاهم بالحُجة والنصرة. قيل: ذكر أسفل، هنا لمناسبة ذكر البناء، بخلاف سورة الأنبياء «٤» .

الإشارة: كلُّ عبدٍ مأمور بكسر صنمه، وهو: ما تَرْكَنُ إليه نفسُه من حظٍّ، أو هوىً، أو علم، أو عمل، أو حال، أو مقام. وفي الإشارات عن الله تعالى: لا تركنن لشيء دوننا، فإنه وبال عليك، وقاتلٌ لك، فإن ركنتَ إلى العلم تتبعناه عليك، وإن أويتَ إلى العمل رددناه إليك، وإن وثقت بالحال وقفناك معه، وإن أنست بالوجد استدرجناك فيه، وإن لحظت إلى الخلق وكلناك إليهم، وإن اعتززت بالمعرفة نكرناها عليك، فأيّ حيلة لك، وأيّ قوة معك؟

فارضنَا لك ربًّا حتى نرضاك لنا عبداً. هـ. ولا بأس أن يتعلّل لنفسه، ويحتال عليه بحيل، كما تعلّل الخليل للقعود لكسر الأصنام، لعلها تُوافقه على ترك ما تهواه وتركن إليه، كما قال القائل «٥» :

فاحتلْ على النفس قربّ حِيله ... أنفعُ في النُّصْرة من قبيله.


(١) الآية ٥٧ من سورة الأنبياء.
(٢) الآية ٥٩ من سورة الأنبياء.
(٣) الآية ٦٠ من سورة الأنبياء.
(٤) فى قوله تعالى: وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ الآية ٧٠.
(٥) وهو ابن البنا السرقسطي، فى المباحث الأصلية (ص ٥٠٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>