للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغرفة، أو: المسجد، سمي محراباً لتحارب الشيطان فيه والخواطر الردية. و «إذ» : متعلق بمحذوف، أي: نبأ تحاكم الخصمين، أو: بالخصم لما فيه من معنى الخصومة، إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ: بدل مما قبله، أو: ظرف لتَسوروا، فَفَزِعَ مِنْهُمْ: تروَّع منهم.

رُويَ أنَّ الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين، قيل: جبريل وميكائيل، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في عبادته، فمنعهما الحرس، فتسوّروا عليه المحراب، فلم يشعر إلا وهما بين يديه، جالسان، ففزع منهم لأنهم دخلوا عليه في غير يوم القضاء، ولأنهم نزلوا من فوق، وفي يوم الاحتجاب، والحرس حوله لا يتركون مَن يدخل عليه. قال الحسن: جزأ داود عليه السلام الدهر أربعة أجزاء يوماً لنسائه، ويوماً للعبادة، ويوماً للقضاء، ويوماً للمذاكرة مع بني إسرائيل. فدخلوا عليه يوم عبادته.

فلما فزع قالُوا لا تَخَفْ، نحن خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ أي: ظلم وتطاول عليه، فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ لا تَجُرْ، من: الشطط، وهو مجاوزةُ الحدّ وتخطي الحق، وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ وأرشدنا إلى وسط الطريق ومحجته، والمراد: عين الحق وصريحه.

رُوي: أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسألُ بعضهم بعضاً أن ينزل له عن امرأته، فيتزوجها إذا أعجبته، وكان لهم عادة في المواساة بذلك. وكان في أول الإسلام شيء من ذلك بين المهاجرين والأنصار، فاتفق أنَّ عَيْنَ داودَ عليه السّلام وقعت عل امرأة أورِيا، وكانت جميلة، فأحبّها، فسأله النزولَ له عنها، فاستحيا أن يردّه، ففعل، فتزوجها، وهي أم سليمان فعُوتب في ذلك، وقيل له: إنك مع عظيم منزلتك، وكثرة نسائك، لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلاً ليس له إلا امرأة واحدة، كان الواجب عليك مغالبةُ هواك، وقهر نفسك، والصبر على ما امتحِنْتَ به. وقيل:

خطبها أوريا، وخطبها داود، فآثره أهلها، فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه «١» . هـ.

ولعلم لم يكن محرماً في شرعهم، وإنما كان خلاف الأَولى.

وقال شيخ شيوخنا في حاشيته: لا يصح هذا في حق الأنبياء، وما يُحكى أنه بعث أوريا إلى الغزو مرة بعد مرة، وأحبّ أن يُقتل ليتزوجها، فلا يليق من المتسمين بالصلاح من أبناء الناس، فضلاً عن بعض أعلام الأنبياء.

وقال علي- كرم الله وجهه-: مَن حدّثكم بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصَّاص جلدتْه مائةً وستين «٢» ، وهو


(١) قال القاضي عياض فى الشفاء (٢/ ٨٢٧) : لا تلتفت إلى ما سطره الأخباريون من أهل الكتاب، الذين بدّلوا وغيّروا، ونقله المفسرون، ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك فى كتابه، ولا ورد فى حديث صحيح، والذي نصّ الله عليه فى قصة داود:
قوله: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ وليس فى قصة داود وأوريا خبر ثابت.
وقال الحافظ ابن كثير فى تفسيره (٤/ ٣١) : قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه.... فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله عزَّ وجَلَّ، فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضا. وانظر: الإسرائيليات والموضوعات لأبى شهبة (٢٦٤- ٢٧٠) .
(٢) قال الحافظ ابن حجر، فى الكافي الشاف: (رقم ٣٠٦) : لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>