للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن أدهم: مالنا ندعو فلا نُجاب؟ قال: «لأنه دعاكم فلم تُجيبوا» . وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على ما سألوه، واستحقوه بموجب الوعد. وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بدل ما للمؤمنين من الفضل العظيم والمزيد.

الإشارة: قال الورتجبي: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فيه تقديس كلامه، وطهارة نبيه صلى الله عليه وسلم عن الافتراء، وكيف يفتري وهو مصون من طريان الشك والريب والوساوس والهواجس على قلبه؟. وقال أيضاً: عن الواسطي: إن يشأ الله يختم على قلبك [لكن ما يشاء] «١» ، ويمح الله الباطل بنفسه ونعته، حتى يعلم أنه لا حاجة له إلى أحد من خلقه، ثم يحقق الحق في قلوب أنشأها للحقيقة.

قلت: في الآية تهديد لأهل الدعوى لأنهم إن داموا على دعواهم الخصوصية بلا خصوصية ختم الله على قلوبهم بالنفاق، ثم يمحو الله الباطل بأهل الحق والتحقيق، فتُشرق حقائقهم على ما يقابلها من البال فتدمغه بإذن الله وقضائه وكلماته.

وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ... الخ، لكل مقام توبة، ولكل رجال سيئات، فتَوبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من العيوب، وتوبة خواص الخواص من الغيبة عن شهود علاّم الغيوب. وقوله تعالى:

وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ يشير إلى الحلم بعد العلم.

وقوله تعالى: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي: في كل ما يتمنون، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ النظر إلى وجهه، ويتفاوتون فيه على قدر توجههم، ومعرفتهم في الدنيا. وذكر في القوت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال: «يُشفعهم في إخوانهم، فيدخلهم الجنة» «٢» . هـ. قال القشيري: ويقال:

لمَّا ذكر أن التائبين يقبل توبتهم، ومَنْ لم يَتُبْ يعفو عن زلَّته، والمطيع يدخله الجنة، فلعله خطر ببال أحد: فهذه النار لمَن هي؟ فقال وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ، ولعله يخطر بالبال أن العصاة لا عذاب لهم، فقال: (شديد) بدليل الخطاب أنه ليس بشديد «٣» هـ.

ولمّا ذكر أن أهل الإيمان يستجيب لهم، ويزيدهم من فضله، يعنى فى الآخرة، وأما فى الدنيا فإنما يعطيهم الكفاف، ذكر حكمة ذلك، فقال:


(١) فى الورتجبي [بما يشاء] .
(٢) أخرجه ابن جرير، من طريق قتادة عن أبى إبراهيم اللخمي، موقوفا.
(٣) اختصر المفسر عبارة القشيري، وهذا نصها حتى يتضح المراد: فالعصاة من المؤمنين لهم عذاب، أما الكافرون فلهم عذاب شديد، لأن دليل الخطاب يقتضى هذا، وذاك يقتضى أن المؤمنين لهم عذاب، ولكن ليس بشديد، وأما عذاب الكافرين فشديد. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>