للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: لما سمعوا قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ ... «١» الآية، قالوا: نحن أهدى من النصارى، لأنهم عبدوا آدمياً، ونحن نعبد الملائكة، فنزلت. فقولهم: آلهتنا خير، هو حينئذ تفضيل لآلهتهم على عيسى عليه السلام لأن المراد بهم الملائكة. ومعنى: ما ضَرَبُوهُ.. الخ: ما قالوا هذا القول إلا للجدال. وقيل: لما نزل: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ.. الآية، قالوا: ما يريد محمد إلا أن نعبده كما عبد النصارى المسيح. ومعنى «يصدون» : يضجون ويسخرون، والضمير على هذا في «أم» هو لمحمد صلّى الله عليه وسلم، وغرضهم ومرادهم بالموازنة بينه وبين آلهتهم الاستهزاء به صلّى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون مرادهم التنصُّل عما أنكر عليهم من قولهم: الملائكة بنات الله، ومن عبادتهم لهم، كأنهم قالوا: ما قلنا بدعاً من القول، ولا فعلنا منكراً من الفعل، فإنَّ النصارى جعلوا المسيح ابن الله، وعبدوه، فنحن أرشد منهم قولاً وفعلاً، حيث نسبنا له الملائكة، وهم نسبوا إليه الأناسي. فقوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ أي: ما عيسى إلا عبد، كسائر العبيد، أنعمنا عليه بالنبوة، وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ، أي: أمراً عجيباً، حقيقاً بأن يسير ذكره كالأمثال السائرة، ففيه تنبيه على بطلان رفعه عن رتبة العبودية، أي: قصارى أمره أنه ممن أنعمنا عليه بالنبوة، وخصصناه ببعض الخواص البديعة، بأن خلقناه على وجهٍ بديع، وقد خلقنا آدم بوجه أبدع منه، فأين هو من رتبة الربوبية حتى يتوهم أنه رضي بعبادته مع الله؟ ومَن عبده فإنما عبد الشيطان.

ثم قال تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ بدلاً منكم، كذا قال الزجاج، ف «مِن» بمعنى البدل يَخْلُفُونَ أي: يخلفونكم في الأرض، أي: لو نشاء لذهبنا بكم وجعلنا بدلاً منكم ملائكة يخلفونكم في الأرض، فيكونون أطوع منكم لله تعالى، وقيل: (ولو نشاء) لقدرتنا على عجائب الأمور (لجعلنا منكم) بطريق التوالد، وأنتم رجال، من شأنكم الولادة- (ملائكة) كما خلقناهم بطريق الإبداع (في الأرض) مستقرين فيها، كما جعلناهم مستقرين في السماء، يخلفونكم مثل أولادكم، ويباشرون الأفاعيل المنوطة بمباشرتكم، فكيف يستحقون المعبودية مع أنهم أجسام، متولدون عن أجسام، والمستحق للعبادة يتعالى عن ذلك؟! وَإِنَّهُ أي: عيسى عليه السلام لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ أي: مما يعلم به مجيء الساعة عند نزوله. وقرأ ابن عباس «لَعَلَمٌ» بفتح اللام «٢» ، أي: وإن نزوله لَعَلَم للساعة، أو: وإن وجوده بغير أب، وإحياءه للموتى، دليل على صحة البعث، الذي هو معظم ما ينكرة الكفرة.


(١) الآية ٥٩ من سورة آل عمران.
(٢) اللام الثانية مع فتح العين (لعلم) وهو الأمارة والعلامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>