الحق الثالث: على اللسان بالسكوت، فيسكت عن التجسُّس، والسؤال عن أحواله، وإذا رآه فى طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته، فربما يثقل عليه، أو يحتاج إلى أن يكذب، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه، فلا يبثها إلى غيره، ولا إلى أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه.
الحق الرابع: على اللسان بالنطق، فيتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله، كالسؤال عن عارض عرض له، وأظهر شغل القلب بسببه، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها. فمعنى الأخوة: المساهمة في السراء والضراء، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله، عند مَن يريد هو الثناء عنده، وكذا على أولاده وأهله، حتى على عقله، وخُلُقه، وهيئته، وخطه، وشعره، وتصنيفه، وجميع ما يفرح به، من غير كذب ولا إفراط، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه.
الحق الخامس: العفو عن الزلاّت والهفوات، فإن كانت زلته في الدين بارتكاب معصية، فليتلطّف في نصحه، فإن بقي مُصرّاً، فقد اختلف الصحابة في ذلك، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته، وقال: إذا انقلب أخوك عما كان عليه فَأَبْغِضْهُ من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء، وجماعة، إلى خلاف ذلك، وقال أبو الدرداء: إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يُعوجُّ مرة ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق، والاستمالة، والتعطُّف، المفضي إلى الرجوع والتوبة. وأيضاً: للأخوة عقد، ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها، ومن الوفاء: ألا يهمله أيام حاجته وفقره، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال: والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب، ويتخلّى من الإصرار، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل، فيحرص حياءً منه، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. هـ. قلت: ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.
الحق السادس: الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله. قلت: ومن ذلك زيارة قبره، وإيصال النفع له في ذلك الوقت.
الحق السابع: الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء: الثبات على الحب، وإدامته إلى الممات، معه ومع أولاده وأصدقائه.