وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا: أنه حُفر قبرٌ بصنعاء في الإسلام، فوجد فيه امرأتان، وعند رؤوسهما لوح من فضة، مكتوب فيه بالذهب اسمهما، وأنهما بنتا تُبع، تشهدان ألا إله إلا الله، ولا تُشركان به شيئاً، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما. هـ «١» . ويقال لملوك اليمن: التبابعة لأنهم يُتبعون، ويقال لهم: الأقيال لأنهم يتقيلون. هـ.
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: عطف على «قوم تُبع» ، والمراد بهم عاد وثمود، وأضرابهم من كل جبار عنيد، أُولي بأس شديد، أَهْلَكْناهُمْ بأنواع من العذاب إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ، تعليل لإهلاكهم، ليعلم أن أولئك حيث أهلكوا بسبب إجرامهم مع ما كانوا عليه من غاية القوة والشدة، فكان مهلكَ هؤلاء- وهم شركاؤهم في الإجرام، مع كونهم أضعف منهم في الشدة والقوة- أولى.
قال الطيبي: لما أنكر المشركون الحشر، بقولهم:(إن هي إلا موتتنا الأولى) وبَّخهم بقوله: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ إيذاناً بأن هذا الإنكار ليس عن حجة قاطعة ودليل ظاهر، بل عن مجرد حب العاجلة، والتمتُّع بملاذ الدنيا، والاغترار بالمال والمآل والقوة والمنعة، أي: كما فعل بمَن سلك قبلَهم من الفراعنة والتبابعة حتى هلكوا، كذلك يفعل بهؤلاء إن لم يرتدعوا.
ثم قرّر أن الحشر لا بُد منه بقوله: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما أي: بين الجنسين، لاعِبِينَ لاهين من غير أن يكون في خلقهما غرض صحيح، وغاية حميدة، جلّ جناب الجلال عن ذلك، ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ أي: ما خلقناهما ملتبساً بشيء من الأشياء إلا ملتبساً بالحق، أو: ما خلقناهما بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، الذي هو الإيمان والطاعة في الدنيا، والبعث والجزاء في العقبى.
قال الطيبي: وقد سبق مراراً: أنه ما خلقهما إلا ليوحَّد ويُعبَد، ثم لا بد أن يجزي المطيع والعاصي، وليست هذه دار الجزاء. وقال ابن عرفة: قوله: إِلَّا بِالْحَقِّ أي: إلا مصاحبين للدلالة على النشأة الآخرة، وهي حق. هـ.
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أنهن خُلقن لذلك، بل عبثاً، تعالى الله عن ذلك.
الإشارة: كانت الجاهلية تُنكر البعث الحسي، والجهلة اليوم ينكرون البعث المعنوي، ويقولون: إن هى إلا موتتنا الأولى، أي: موت قلوبنا وأرواحنا بالجهل والغفلة، فكيف يكون الرجل منهمكاً في المعاصي، ميت القلب، ثم ينقذه الله ويُحييه بمعرفته، حتى يصير وليّاً من أوليائه «مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من