للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على نيابة المصدر، أي: ليجزي الجزاء قوماً، أو ليجزي الخيرُ قوماً، فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه، أو ناب الجار مع وجود المفعول به، وهو قليل.

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ أي: يعفوا ويصفحوا عن الذين لا يتوقعون نِقَمه ووقائعه بأعدائه، من قولهم: «أيام العرب» ، لوقائعها، أو: لا يؤمّلون الأوقات التي وقّتها الله تعالى لثواب المؤمنين، ووعدهم بالفوز فيها، قيل: نزلت قبل آية القتال ثم نُسخت. قال ابن عطية: ينبغي أن يقال:

إن الأمور العظام، كالقتل والكفر مجاهدة ونحو ذلك، قد نَسخ غفرانَه آيةُ السيف والجزية، وإن الأمور الحقيرة، كالجفاءِ في القول ونحو ذلك، يحتمل أن تبقى مُحكمة، وأن يكون العفو عنها أقرب للتقوى. هـ.

قيل: نزلت في عمر رضي الله عنه حين شتمه رجل من غفار، فهَمَّ أن يبطشَ به، فنزلت «١» . وقيل: نزلت في ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في أذّى شديد من المشركين، قبل أن يُؤمروا بالقتال، فشكَوْا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت «٢» ، وعلى هذا تكون الآية مكية. وقال ابن عباس: لَمَّا نزل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً «٣» قال فنحاص: افتقر رَبُّ محمد، فلما بلغ ذلك عُمر، طلبه بالسيف ليقتله، فنزلت، فوضع السيف، وقال: والذي بعثك بالحق لا يُرى الغضب في وجهي «٤» . وقيل: في شأن أُبيّ بن سلول، رأس المنافقين، لَمّا قال في غزوة المريسيع: ما مثلُنا ومثل هؤلاء- يعني المهاجرين- إلا كما قيل: سَمِّنْ كلبَك يأكلك، فبلغ ذلك عمر، فاشتمل السيف، يريد التوجه إليه، فنزلت «٥» . وعلى هذا تكون مدنية.

لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي: إنما أُمروا أن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة. وتنكير (قوم) مدح لهم، كأنه قيل: لِيَجزي قوماً- أيَّما قوم، أو قوماً مخصوصين- بالصبر بسبب ما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة، التي من جملتها الصبر على إذاية الكفار، والإغضاء عنهم، بكظم الغيظ، واحتمال المكروه، ما يقصر عنه البيان من الثواب العظيم، ويجوز أن يُراد بالقوم: الكفرة، وبما كانوا يكسبون: سيئاتهم، التي من جملتها ما كانوا يؤذون به المسلمين.

مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها أي: لها الثواب وعليها العقاب، لا يكاد يسري عمل إلى غير عامله، ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ فيجازيكم على أعمالكم، خيراً كان أو شرًّا.


(١) ذكره القرطبي (٧/ ٦١٦٢) وعزاه للنحاس والمهدوى، عن الضحاك عن ابن عباس.
(٢) ذكره البغوي فى تفسيره (٧/ ٢٤٣) . عن القرظي والسدى.
(٣) الآية ٢٤٥ من سورة البقرة.
(٤) أخرجه الواحدي فى أسباب النّزول (ص ٢٩٣- ٢٩٤) عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنه، بسند ضعيف.
(٥) ذكره الواحدي فى أسباب النّزول (٢٩٣) والقرطبي (٧/ ٦١٦٧) عن ابن عباس فى رواية عطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>