للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأمره، يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ يشهد عليكم ملتبساً بالحق، من غير زيادة ولا نقصان، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ أي: نستكتب ونطلب نسخ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في الدنيا، من الأعمال، حسنة أو سيئة، وقال ابن عزيز: نستنسخ:

نثبت، ويقال: نستنسخ: نأخذ نسخته، وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان، صغيره وكبيره، فيثبت الله منه ما كان له ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللغو، ورُوي عن ابن عباس وغيره حديثاً: «أن الله يأمر بعرض أعمال العباد كل يوم خميس، فينقل من الصحف التي ترفع الحفظة، كل ما هو مُعَدّ أن يكون له ثواب وعقاب، ويلقى الباقي، فهذا هو النسخ من أصل.

وقيل: المراد بكتابنا: اللوح المحفوظ. قال صلّى الله عليه وسلم: «أول ما خلق اللهُ القلم من نور مسيرة خمسمائة عام، واللوح من نور مسيرة خمسمائة عام، فقال للقلم: اجر، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة مَن عمل، برها وفاجرها، ورطبها ويابسها، ثم قرأ: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ.. الآية» ، فيُروى «أن الملائكة تصعد كل يوم إلى الملك الموكل باللوح، فيقولون: أعطنا ما يعمل صاحبنا اليوم، فينسخُ من اللوح عمله ذلك اليوم، ويعطيه إياهم، فإذا انقضى أجله، قال لهم: لا نجد لصاحبكم عملاً بقي له، فيعلمون أنه انقضى أجله» .

ثم فصّل أحوال أهل الموقف، فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ، أي: جنته ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ الظاهر، الذي لا فوز وراءه، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فيُقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ: أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ أي: ألم تكن تأتيكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم، فحذف المعطوف عليه، ثقةً، بقرينة الكلام، فَاسْتَكْبَرْتُمْ عن الإيمان بها، وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ أي: قوماً عادتكم الإجرام.

وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ أي: وكنتم إذا قيل لكم: إن وعد الله بالجزاء حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها أي:

في وقوعها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ أيّ شيء هي الساعة، استهزاء بها، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا، أصله:

نظن ظناً، ومعناه: إثبات الظن، فحسب، فأدخل حرف النفي والاستثناء ليفيد إثبات الظن مع نفى ما سواه. وقال المبرد: أصله: إن نحن إلا نَظُن ظناً، وإنما أوَّله لأنه لا يصح التفريع في المصدر المؤكد، لعدم حصول الفائدة، إذ لا معنى لقولك: لا نضرب إلا ضرباً، وجوابه: إن المصدر نوعي لا مؤكد، أي: ظناً حقيراً ضعيفاً. وفي الآية اللف والنشر المعكوس «١» . فقوله: قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ راجع لقوله: وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها، وقوله: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا


(١) اللف والنّشر: هو أن يذكر متعدد ثم يذكر ما لكلّ من أفراده، شائعا من غير تعيين، اعتمادا على تصرف السامع فى رده إليه، وهو إما أن يكون النّشر فيه على ترتيب اللف، نحو: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وإما أن يكون على خلاف ترتيبه، نحو فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ.
انظر التعريفات (٢٤٤) ومحيط المحيط (ص ٥٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>