للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو: أثقلتموهم بالجِراح وهزمتموهم، فَشُدُّوا الْوَثاقَ أي: فأسِروهم، وشُدوا وثاقهم، لئلا يتفلتوا، والوثاق بالفتح والكسر: ما يشد به. فإذا أسرتموهم فتخيروا فيهم فَإِمَّا مَنًّا أي: فإما أن تمنوا منا بعد الأسر، وَإِمَّا فِداءً:

أن تفدوا فداءً، والمعنى: التخيُّر بين الأمرين بعد الأسر، بين أن يَمُنُّوا عليهم فيطلقوهم، وبين أن يُفادوهم، ومذهب مالك: أن الإمام مُخَيَّر في الأسارى بين خمسة، وهي: المنّ، والفداء، والقتل، والاسترقاق، وضرب الجزية، وقيل:

لا يجوز المَن ولا الفداء لأن الآية منسوخة بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «١» فيتعين قتلهم، والصحيح أنها محكمة. ومَذْهَب الشافعي: أن الإمام مُخير بين أربعة: القتل، والاسترقاق، والفداء بأسارى المسلمين، والمنّ. ولعل لجزية عنده خاصة بأهل الكتاب.

ومذهب أبي حنيفة: التخيير بين القتل والاسترقاق فقط، قال: والآية منسوخة لأن سورة براءة آخر ما نزل.

وعن مجاهد: ليس اليوم مَنّ ولا فداء، والمراد بالمنّ في الآية أن يمنّ عليهم بترك القتل، فيسترقوا، أو يمنّ عليهم بإعطاء الجزية. هـ.

والمشهور: مذهب مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل عقبةَ بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، يوم بدر صبراً، وفادى سائر الأسارى، ومَنَّ على ثُمَامَةُ بن أَثالٍ الحنفي، وهو أسير، واسترق نساء بنى قريظة، فباعهم، وضرب الجزية على نصارى نجران ومجوس هاجر.

ثم ذكر غاية الحرب فقال: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها أي: اضربوا رقابهم حتى تضع الحرب أثقالها، وآلاتها، التي لا تقوم إلا بها، كالسلاح والكراع، وذلك حيث لم يبقَ حرب، بأن تضع أهل الحرب عُدتها. وقيل:

(أوزارها) : آثامها، يعني: حتى يترك أهل الحرب المشركين شركهم، بأن يُسلموا جميعاً. والمختار: أن المعنى:

أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يظهر الإسلام على سائر الأديان، ويؤمن أهل الكتاب، طوعاً أو كرهاً، ويكون الدين كلُّه لله، فلا يحتاج إلى قتال. وقال الحسن: معناه: حتى لا يُعبد إلا الله. وقال ابن عطية: ظاهر اللفظ: أنها استعارة، يُراد بها التزام الأمر كذلك أبداً، كما تقول: أنا أفعل ذَلِكَ إلىَ يَوْمِ القِيَامةِ. هـ. فالغاية ب «حتى» ، راجعة إلى الضرب والشد، وما ترتب عليه من المنّ والفداء.

ذلِكَ الأمر ذلك، أو افعلوا ذلك، وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ لانتقم مِنْهُمْ بغير قتال بأن ينزل بهم أسباب الهلاك والاستئصال، كالخسف أو الرجف أو غير ذلك، وَلكِنْ أمركم بالقتال لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ


(١) الآية ٥ من سورة التوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>