للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة أقام بها بقية ذي الحجة، ثم غزا في أول السابعة خيبر، ففتحها، وغنم أموالاً كثيرة، فخصصها بأهل الحديبية، بأمره تعالى، قُلْ لهم إقناطاً لهم: لَنْ تَتَّبِعُونا إلى خيبر، وهو نفي بمعنى النهي، للمبالغة، أي:

لا تتبعونا، أو: نفي محض، إخبار من الله تعالى بعدم اتباعهم وألا يبدّل القول لديه.

كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أي: من قبل انصرافهم إلى الغنيمة، وأنَّ غنيمة خيبر لَمن شهد الحديبية فقط، فَسَيَقُولُونَ للمؤمنين عند سماع هذا النهي: بَلْ تَحْسُدُونَنا أي: ليس ذلك النهي من عند الله، بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنائم، بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ كلام الله إِلَّا قَلِيلًا شيئاً قليلاً، يعني: مجرد اللفظ، أو: لا يفهمون إلا فهماً قليلاً وهو فطنتهم لأمور الدنيا دون الدين، وهو ردٌّ لقولهم الباطل، ووصف لهم بسوء الفهم والجهل المفرط. والفرق بين الإضرابين: أن الأول ردَّ أن يكون حكم الله ألا يتبعوهم وإثبات الحسد، والثاني إضرابٌ عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أعظم منه، وهو الجهل وقلة الفقه.

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ وهم الذين تخلّفوا عن الحديبية: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعني: بني حنيفة، قوم مسليمة الكذاب، وأهل الردة الذين حاربهم أبو بكر رضي الله عنه، لأن المشركين وأهل الردة هم الذين لا يُقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. واستُدل بالآية على حقيّة خلافة أبي بكر، وأخذها من القرآن بقوله:

سَتُدْعَوْنَ فكان الداعي لهؤلاء الأعراب إلى قتال بني حنيفة، وكانوا أولي بأس شديد، هو أبو بكر، بلا خلاف، قاتلوهم ليُسلموا لا ليُعطوا الجزية بأمر الصدّيق. وقيل: هم فارس، والداعي لقتالهم «عمر» ، فدلّت على صحة إمامته، وهو يدل على صحة إمامة أبي بكر. تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ أي: يكون أحد الأمرين، إما المقاتلة أو الإسلام، ومعنى «يُسلمون» على هذا التأويل: ينقادون لأن فارس مجوس، تُقبل منهم الجزية، فَإِنْ تُطِيعُوا مَن دعاكم إلى قتالهم يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً هو الغنيمة في الدنيا، والجنة في الآخرة، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا عن الدعوة، كما توليتم من قبل في الحديبية، يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لتضاعف جُرمكم. وقد تضمنت الآية إيجاب طاعة الأمراء بالوعد بالثواب عليها، والوعيد بالعقاب على التولي، وقد تقدّم في النساء «١» .

الإشارة: سيقول المخلِّفون عن السير بترك مجاهدة النفوس، التي بها يتحقق سير السائرين: ذرونا نتبعكم في السير إلى الله من غير مجاهدة ولا تجريد، يريدون أن يُبدلوا كلامَ الله، وهو قوله: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا «٢» ، فخصّ الهداية إلى الوصول بالمجاهدة، لا بالبقاء مع حظوظ النفوس، قل: لن تتبعونا فى


(١) راجع تفسير الآية ٥٩ من سورة النّساء، (١/ ٥١٩) .
(٢) الآية ٦٩ من سورة العنكبوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>