كالهباء. وتأكيد الفعل بمصدريهما للإيذان بغرابتهما وخروجهما عن الحدود المعهودة، أي: مَوراً عجيباً وسيراً بديعاً، لا يُدرك كنههما. فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ إذا وقع ذلك، أو: إذا كان الأمر كما ذكر، فويل لهم إذا وقع ذلك، الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ أي: في اندفاع عجيب في الأباطيل والأكاذيب يَلْعَبُونَ: يلهون، فالخوض غلب بإطلاقه في الاندفاع في الباطل والكذب، ومنه قوله: وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ «١» . يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا أي: يُدفعون إليها دفعاً عنيفاً شديداً، بأن تُغلّ أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم، فيُدفعون إلى النار على وجوههم، ويقال لهم: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ في الدنيا.
أَفَسِحْرٌ هذا، توبيخ وتقريع لهم، حيث كانوا يُسمون الوحي الناطق بذلك العذاب سحراً، كأنه قيل: كنتم تقولون للقرآن الناطق بهذا سحراً، أفهذا أيضاً سحر؟. وتقديم الخبر لأنه محط الإنكار ومدار التوبيخ. أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ أم أنتم عُميٌ عن المخبر عنه، كما كنتم عُمياً عن الخبر؟ وهذا تقريع وتهكُّم، اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا أي: ادخلوها وقاسوا شدائدها فافعلوا ما شئتم من الصبر وعدمه، سَواءٌ عَلَيْكُمْ الأمران الصبر وعدمه، ف «سواء» : مبتدأ حُذف خبره. وعلل استواء الصبر وعدمه بقوله: إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الكفر والمعاصي، فالصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة بأن يُجازى عليه الصابر جزاءَ الخير، وأما الصبر على العذاب، الذي هو الجزاء، ولا عاقبة له ولا منفعة، فلا مزيّة له على الجزع. نعوذ بالله من موارد الهوان.
الإشارة: يوم تمور سماء الأرواح، أي: تتحرك الأرواح وتهيج بالواردات الإلهية، شوقاً إلى اللقاء، فإذا حصل اللقاء وقع لها السكون والطمأنينة، ولذلك قيل:«المحبة أولها جنون، ووسطها فنون، وآخرها سكون» . وسبب هذا الاضطراب الذي يظهر على المريد في أول بدايته: أنَّ جند الأنوار إذا أراد أن يدخل على جند الأغيار، ويُخرجه من وطنه- الذي هو باطن العبد- وقع بينهما تجارب وتضارب، فجند الأنوار يريد أن يقلع جند الأغيار من باطن العبد، ويسكن هو، وجند الأغيار يريد المقام في وطنه، فلا يزال القتال بينهما، حتى يغلب واحد منهما، فإذا غلب جند الأنوار سكن في الباطن، وسكن الظاهر، ولم تقع فكرة العبد إلا في التوحيد، أو ما يقرب إلى الحق تعالى، وإذا غلب جند الأغيار، ولم يترك جند الأنوار يدخل إلى الباطن، سكن الظاهر أيضاً، ويبقى باطن العبد محشوّاً بالخواطر والوساوس الدنيوية كما كان، ورجع العبد إلى مقام العمومية.
وقوله تعالى: وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً أي: تزول جبال وجود العبد عند إشراق أنوار الحقائق، فويل يومئذ للمكذِّبين، أي: بُعْدٌ لأهل الإنكار عن حضرة الأسرار، حين ظفر الطالب بالمطلوب، ووصل المحب إلى المحبوب،