للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد؟ وكانت قريش يُدْعَون أهل الأحلام والنُهي، فكذبهم ما صدر منهم من هذه المقالات المضطربة، أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ يجاوزون الحدودَ في المكابرة والعناد، ولا يحومون حول الرشد والسداد. وإسناد الأمر إلى الأحلام مجاز.

أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ اختلقته من تلقاء نفسه، بَلْ لا يُؤْمِنُونَ، ردّ عليهم، أي: ليس الأمر كما زعموا، بل لكفرهم وعنادهم يقذفون بهذه الأباطيل، التي لا يخفى بطلانها على أحد، فكيف يقدر البشر أن يأتي بما عجز عنه كافة الأمم من العرب والعجم، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ أي: مثل القرآن في البلاغة والإعجاز إِنْ كانُوا صادِقِينَ في أن محمداً تقوّله من تلقاء نفسه لأنه بلغاتهم، وهم فصحاء، مشاركون له صلى الله عليه وسلم في العربية والبلاغة، مع ما لهم من طُول الممارسة للخطب والأشعار، وكثرة المقاولة للنظم والنّثر، والمبالغة في حفظ الوقائع والأيام، ولا ريب في أنَّ القدرة على الشيء من موجبات الإتيان به مع دواعي الأمر بذلك من تعجيزهم وإفحامهم وطلب معارضتهم.

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أي: أم أُحدثوا وقُدّروا هذا التقدير البديع، الذي عليه فطرتهم، من غير محدث ومقدّر. أو: أم خُلقوا من غير شيء من الحكمة، بأن خُلقوا عبثاً، فلا يتوجه عليهم حساب ولا عقاب؟ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ المُوجدون لأنفسهم؟ فيلزم عليه الدور، وهو تقدُّم الشيء على نفسه وتأخُّره عنها، أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فلا يعبدون خالقِهما بَلْ لا يُوقِنُونَ لا يتدبرون في الآيات، فيعلمون خالقهم، وخالق السموات والأرض، فيُفردونه بالعبادة.

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ من النبوة والرزق وغيرهما، فيخصّوا بما شاءوا من شاءوا، أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ أي: الأرباب الغالبون، المُسلَّطون على الأمور يدبرونها كيف شاءوا، حتى يُدبروا أمر الربوبية، ويبنوا الأمور على إرادتهم ومشيئتهم. وقرأ المكي والشامي بالسين على الأصل.

أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ منصوب يرتقون به إلى السماء، يَسْتَمِعُونَ فِيهِ كلامَ الملائكة، وما يُوحى إليهم من علم الغيب، حتى يعلموا أن ما هم عليه حق، وما عليه غيرهم باطل، أو ما هو كائن من الأمور التي يتفوّهون بها رجماً بالغيب، ويعلّقون بها أطماعهم الفارغة من هلاكه صلّى الله عليه وسلم قبلهم، وانفرادهم بالرئاسة. و «في» : سببية، أي:

يستمعون بسبب حصولهم فيه، أو: ضمّن «يستمعون» يعرجون. وقال الزجاج: (يستمعون فيه) أي: عليه، فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ بحجة واضحة، تصدق استماع مستمعهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>