للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى أي: أتُحبون لكم الذكر وتنسبون له الأنثى كهذه الأصنام والملائكة؟ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى أي: جائرة، من: ضازه يضيزه: إذا ظلمه، وصرّح في القاموس بأنه مثلث الضاد ضيزى وضوزى وضازى، وهو هنا فُعلى بالضم، من الضيز، لكنه كسر فاؤه لتسلم الياء، كما فعل في «بيض» ، فإن «فِعلى» بالكسر لم تأت وصفاً، وإنما هي من بناء الأسماء، كالشّعرى والدفلى. وقال ابن هشام: فإن كانت فُعلى صفة محضة وجب قلب الضمة كسرة، ولم يُسمع من ذلك إلا «قسمة ضيزى» «ومشية حِيكى» ، أي: يتحرك فيها المنكبان. هـ.

وقرأ المكيُّ بالهمز «١» ، من: ضأزه: ظلمه، فهو مصدر نعت به.

إِنْ هِيَ أي: هذه الأصنام إِلَّا أَسْماءٌ وليس تحتها في الحقيقة مسميات لأنكم تدّعون لها الألوهية، وهي أبعد شيء منها، سَمَّيْتُمُوها آلهة، أو: سميتم بها هذه الأصنام، واعتقدتم أنها آلهة، بمقتضى أهوائكم الباطلة، أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ، ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها بعبادتها مِنْ سُلْطانٍ من حجة. إِنْ يَتَّبِعُونَ فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها إِلَّا الظَّنَّ: إلا توهم أنَّ ما هم عليه حق، توهُّماً باطلاً، وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ أي: ما تشتهيه أنفسهم الأمّارة، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى الرسول والكتاب فتركوه.

أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى. «أم» : منقطعة، والهمزة للإنكار، أي: ليس للإنسان كل ما يتمناه وتشتهيه نفسُه من الأمور التي من جملتها أطماعهم الفارغة في شفاعة الآلهة ونظائرها، كقول بعضهم: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى «٢» ، وكَتَمَنِّي بعضُهم أن يكون هو النبي، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى أي: الدنيا والآخرة، هو مالكهما والحاكم فيهما، يُعطي الشفاعة والنبوة مَن شاء، لا من تمناهما بمجرد الهوى، وهو تعليل لانتفاء أن يكون للإنسان ما تمنّى، فإنّ اختصاص أمور الآخرة والأُولى به تعالى مقتضٍ لانتفاء أن يكون للإنسان شيء مما تمنى إلا ان يشاء ويرضى.

الإشارة: هذه الأصنام موجودة في كل إنسان، فاللات: حب اللذات والشهوات الجسمانية الفانية، فمَن كان حريصاً عليها، جامعاً لأسبابها، فهو عابد لها، والعُزى: حب العز والجاه والرئاسة وسائر الشهوات القلبية، فمَن طلبها فهو عبد لها، ومناة: تمني البقاء في الدنيا الدنية الحقيرة، وطول الأمل فيها، وكراهية الموت، فمَن كان هذا وصفه فهو عبد الدنيا، كاره لقاء الله، فيكره اللهُ لقاءه، فتوجه لهؤلاء العتاب بقوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ حيث تُحبون ما هو كمال لأنفسكم، وَلَهُ الْأُنْثى؟ حيث جعلتم هذه الأشياء الحقيرة


(١) «ضئزى» بهمزة ساكنة، وبها قرأ ابن كثير المكي. انظر الإتحاف (١/ ٥٠١) .
(٢) الآية ٥٠ من سورة فصلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>