وأرواحهم. وقال أبو السعود: فإنهم كافة، من حيث حقائقهم الممكِنة، بمعزلٍ من استحقاق الوجود، وما يتفرّع عليه من الكمالات بأسره، بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الإلهية من العلاقة لم يشمُّوا رائحة الوجود أصلاً، فهم في كل أمر مستمدون على الاستدعاء والسؤال. هـ.
ويُوقف على قوله:{والأرض} ثم يبتدأ بقوله: {كُلَّ يومٍ} فهو ظرف لقوله: {هو في شأن} أي: هو كائن كل وقت وحين في شأنٍ من شؤون خلقه، التي من جملتها: إعطاؤهم ما سألوا، فإنه تعالى لا يزال يُنشئ أشخاصاً، ويُفني آخرين، ويأتي بأحوالٍ ويذهب بأحوالٍ، حسبما تقتضيه مشيئته، المبنية على الحِكَم البالغة، وسمعتُ شيخنا الفقيه العلاّمة، سيدي " التاودي بن سودة " - رحمه الله - يقول في تفسيرها: إنَّ من شؤونه تعالى أنه كل يوم يُجهّز ثلاثة جيوش: جيشاً إلى الأرحام، وجيشاً إلى الدنيا، وجيشاً إلى المقابر. هـ. وعن ابن عيينة: الدهر عند الله يومان، أحدهما: اليوم الذي هو مدة الدنيا، فشأنه فيه: الأمر والنهي، والإحياء والإماتة، والإعطاء والمنع، والآخر: يوم القيامة، فشأنه فيه: الجزاء والحساب.
ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه تلاها، فقيل له: ما هذا الشأن؟ فقال:" من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرّج كرباً، ويرفع قوماً ويضع آخرين " وقيل: نزلت في اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت شأناً، فردّ الله عليهم؛ والمراد بهذه الشؤون: أمور يُبديها ولا يبتديها، فقد جفّ القلم بما هو كائن إلى ما لا نهاية له. ومنه: ما جاء في القضاء على الولد في الرحم، بسعادةٍ أو غيرها، ليس ذلك القضاء إنشاء وابتداء، وإنما هو إبداء وإظهار للملائكة ما سبق به قضاؤه وقدره، وهو مسطور في اللوح، ولذلك جاء:" إنه يُقال للملك: انطلق إلى أم الكتاب، فينطلق، فيجد قصة ذلك فيه ... " الحديث. وقيل: شأنه تعالى: سَوْق المقادير إلى المواقيت.
قال النسفي: قيل: إنَّ عبدَ اللهِ بن طاهر دعا الحسينَ بن الفضل، وقال له: أشكلت عليّ ثلاث آيات، دعوتك لتكشفها لي، قوله تعالى:{فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}[المائدة: ٣١] وقد صحّ: أن الندم توبة، وقوله:{كُلَّ يَوْمِ هُوَ فِي شأنٍ} وقد صحّ أن القلم جفّ بما هو كائن إلى يوم القيامة، وقوله:{وَأَن لَّيْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}[النجم: ٣٩] فما بال الأضعاف؟ فقال الحسين: يجوز ألاَّ يكون الندم توبة في تلك الآية. وقيل: إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل، ولكن على حمله وتكلفه مشقته، وقوله:{وأن ليس للإِنسان إلا ما سعى} مخصوص بقوم إبراهيم وموسى - عليهما السلام-، وأمَّا قوله:{كُلَّ يَوْمِ هُوَ فِي شأن} فإنها شؤون يُبديها لا يبتديها، فقال عبدُ الله فقبَّل رأسه ووسّع خراجه. هـ.