الفريقين إذا وقعت الواقعة، ثم استأنف بقوله:{يس لوقعتها كاذبةٌ} أي: لا يكون عند وقوعها نَفْسٌ تَكذب على الله، أو: تكذب في نفسها كما تكذب اليوم، لأنَّ كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدّقة، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذّبات، واللام مثلها في قوله:{قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى}[الفجر: ٢٤] ، أي: ظرفية، أي: ليس عند وقوعها كذب، أو: تعليلية، قال الفراء:{كاذبة} : مصدر، كالعاقبة والعالية، وقيل: صفة لمحذوف، كما تقدّم.
{
خافضةٌ رافعةٌ} أي: هي خافضة لأقوام، رافعة لآخرين، وهو تقرير لِعظمها وتهويل لأمرها، فإنَّ الوقائع العِظام شأنها كذلك، أو: بيان لِما يكون يومئذ من حَطّ الأشقياء إلى الدركات، ورفع السعداء إلى الدرجات، ومن زلزلة الأشياء وإزالة الأجرام عن مقارها، بنثر الكواكب وتسيير الجبال، كما أبان ذلك بقوله:{إِذا رُجَّتِ الأرضُ رَجّاً} : حُرِّكت تحريكاً شديداً حتى تهدِم كلَّ شيء فوقها، من جبل وبناء، وهو متعلق بخافضه، أي: تخفض وترفع وقت رج الأرض، أي: عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع، ويرتفع ما هو منخفض، أو: بدل من: {إذا وقعت} ، وجواب الشرط:{فأصحاب الميمنة} ، والمعنى: إذا كان كذا فأصحاب الميمنة ما أسعدهم، وما أعظم ما يُجازون به، وما أعظم رتبتهم عند الله في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم. وتقديم الخفض الملتّت، من: بسَّ السويق: إذا لتّه، أو: سِيقت وسُيّرت عن أماكنها، من: بسّ الغنم: إذا ساقها، كقوله تعالى:{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ}[النبأ: ٢٠] . {فكانت} أي: فصارت بسبب ذلك؛ {هباءً} غباراً {مُنبثاً} منتشراً متفرقاً في الهواء، والهباء: ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا يكاد يُرى إلاّ في الشمس إذا دخلت في كُوة، {وكنتم} معاشر الخلق، أو: أيتها الأُمة {أزواجاً} أصنافاً {ثلاثة} صنفان في الجنة، وصنف النار، قال قتادة: هي منازل الناس يوم القيامة.
ثم فسّر تلك الأزواج، فقال:{فأصحابُ الميمنة} وهم الذي يؤتون صحائفهم بأيمانهم {ما أصحابُ الميمنة} ، تعظيم لشأنهم، و " ما ": استفهام تعجب مبتدأ، و " أصحاب ": خبر، والجملة: خبر المتبدأ الأول، والأصل: فأصحاب الميمنة ما هم؟ أي: أيّ شيء هم في حالهم وصفتهم؟ فوضع الظاهر موضع المضمر زيادة في التعظيم، ومثله:{الْحَآقَّةُ مَا الْحَآقَّةُ}[الحاقة: ١، ٢] ونظائرها.
{وأصحابُ المشئمةِ} أي: الذين يُؤتون صحائفهم بشمالهم {ما أصحابُ المشئمة} أي: أيّ شيء هم؟ ! تعجيب من حالهم الفظيع، أو: فأصحاب المنزلة السنية؛ وأصحاب المنزلة الدنية الخسيسة، من قولك: فلان مِني باليمين، وفلان مِني بالشمال؛ إذا وصفتهما عندك بالرفعة والوضعة، وذلك لتيمُّنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل، وقيل: يُؤخذ بأهل الجنة ذات اليمين، وبأل النار ذات الشمال. وقال القشيري: أصحاب الميمنة: هم الذين