بما نشر عليها من رداء كبريائه، أو: الظاهر بقدرته، والباطن بحكمته، أو: الظاهر بالتعريف، والباطن باعتبار التكييف. والحاصل: أنه ظاهر في بطونه، باطن في ظهوره، ما ظهر به هو الذي بطن فيه، وما بطن فيه هو الذي ظهر به، اسمه الظاهر يقتضي بطون الأشياء واستهلاكها وتلاشيها؛ إذ لا ظاهر معه، واسمه الباطن يقتضي ظهور حسها، ليكون باطناً فيها. وفي الحِكَم قال:" أظهر كل شيء بأنه الباطن، وطوى وجود كل شيء بأنه الظاهر ". ولا يفهم هذا إلا أهل الأذواق.
قال القشيري: هو الأول في عين آخريته، والآخر في عين أوليته، والظاهر في عين باطنيته، والباطن في عين ظاهريته، من حيثية واحدة، واعتبار واحد، في آنٍ واحد؛ لأنها ذاته المطلقة عن هذه الاعتبارات المختلفة، والحيثيات المتنافرة؛ لإحاطته بالكل، واستغنائه عن الكل. قيل لأبي سعيد الخراز: بِمَ عرفت الله؟ قال: بجمعه بين الأضداد، ثُم تَلا هذه الآية:{هو الأول والآخر ... } الخ، ولا يتصور الجمع بين الأضداد إلاَّ مِن حيثية واحدة، واعتبار واحد، في آنٍ واحد. هـ.
{هو الذي خَلَقَ السماوات والأرض في ستة أيام} قال القشيري: يُشير إلى مراتب الصفات الستة، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، أي: هو الذي تجلّى للأشياء كلها بذاته الموصوفة بالصفاة بالصفات الستة. انظر بقيته فيه. وتقدم الكلام على الاستواء في سورة الأعراف والسجدة. يعلم ما يلج في أرض البشرية من المساوئ، وما يخرج منها بالتخلية والمجاهدة، وما ينزل من سماء الغيوب على القلوب المطهرة، من العلوم والأسرار، وما يعرج فيها من حلاوة الشهود، وهو معكم أينما كنتم بذاته وصفاته، على ما يليق بجلال قدسه وكمال كبريائه؛ إذ الصفة لا تُفارق الموصوف فإذا كانت المعية بالعلم لَزِمَ أن تكون بالذات، فافهم، وسلِّم إن لم تذق.
حدثني شيخي، الفقيه المحرر " الجنوي ": أنَّ علماء مصر اجتمعوا للمناظرة في صفة المعية، فانفصل مجلسهم على أنها بالذات، على ما يليق به. وسمعتُه أيضاً يقول: إنَّ الفقيه العلامة " سيدي أحمد بن مبارك " لقي الرجل الصالح سيدي " أحمد الصقلي "، فقال له: كيف تعتقد: {وهو معكم أين ما كنتم} ؟ فقال: بالذات، فقال له: أشهد أنك من العارفين. هـ. قلت: فبحر الذات متصل، لا يتصور فيه انفصال، ولا يخلو منه مكان ولا زمان، كان ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان.
وقال الورتجبي: للعارفين في هذا مقامان: مقام عين الجمع، ومقام إفراد القديم من الحدوث. فمِن حيث الوحدة والقِدم تتصاغر الأكوان في عزة الرحمن، وسطوات عظمته،