يخصهم من الأجر، {وكثيرٌ منهم فاسقون} خارجون عن حد الاتباع، كافرون بالله ورسوله.
الإشارة: كل زمان يبعث اللهُ رُسلاً يدعون إلى الله، وهم الأولياء العارفون، خلفاء الرسل، بالبينات الواضحة على ولايتهم، لمَن سبقت له العناية، وأنزلنا معهم الكتاب، أي: الواردات الإلهية، والميزان، وهو إلهام اصطلاح التربية المناسبة لذلك الزمان، فيزن بها أحوالَ المريدين، ويعطي كل واحد ما يناسبه من الأوراد، والأعمال، والأحوال، ليقوم الناس في أنفسهم بالقسط، من غير إفراط ولا تفريط، وأنزلنا الحديد، إشارة إلى الجذب، الذي في قلوب العارفين، فيه بأس شديد، يذهب العقول، ومنافع للناس، لأنه هو النور الذي يمشي به الوليّ في الناس، إذ بذلك الجذب يجذب قلوبَ المريدين، ومَن لم يكن له ذلك الجذب، فلا يصلح للتربية؛ لأنه ظاهري محض، ولا بُد لهذا الجذب أن يصحبه سلوك في الظاهر، وإلاَّ فلا يصلح أيضاً للتربية كالمصطلمين. خصّ هذا النور بأوليائه لِيعلم مَن ينصُر دينَه وسنةَ رسوله منهم، بالغيب، أي: مع غيب المشيئة عنهم، فهم يجتهدون في نصر الدين، وينظرون ما يفعل الله، وما سبق به القدر، وأمّا أمر الربوبية فهم في مقام العيان منها، إنَّ الله قوي، يُقوي قلوب المتوجهين، عزيز يُعز من يجتهد في نصر الدين.
ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم، خصّ هذين الرسولين؛ لأنّ نوحاً عليه السلام كان في غاية القوة والشدة، وإبراهيم كان في غاية الليونة، وهكذا أولياء كل زمان، بعضهم يميل للقوة جدّاً، وبعضهم يميل للرطوبة، فإذا أراد الله أن يُظهر طريقةً أمِلةً جعل فيها هذين الضدين، من الأولياء مَنْ يميل لليونة ومَنْ يميل للقوة، ليعتدل الأمر في الوجود، فإن انفرد صاحبُ القوة احترق الوجود، أو غرق، كما جرى في زمان نوح عليه السلام، حين انفرد بالقوة، وإن انفرد صاحب الليونة وقعت برودة في الدين، كما وقع في زمن إبراهيم عليه السلام إذ لم تكن أمته كثيرة، ولمّا اجتمعا في زمان موسى كثرت أتباعه؛ لأنَّ موسى عليه السلام كان قوياً، وهارون كان ليناً، فكثرت أتباعه. وعظمت هذه المة المحمدية لدوام اجتماعهما في أمته، فكان عليه الصلاة والسلام سهلاً ليناً، وكان في مقابلته عمر من وزرائه قوياً صلباً في دين الله، ثم استخلف أبو بكر على قدم الرسول صلى الله عليه وسلم فقابله عمر رضي الله عنه، فلما استخلف عمر ولان؛ قابله عليّ رضي الله عنه، وهكذا كل طائفة كثرت أتباعها تجد فيها هذين الضدين. سبحان المدبِّر الحكيم، الجامع للأضداد.
وقوله تعالى:{وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً} هي صفة المريدين المتوجهين، ورهبانيةُ هذه الأمة: المساجد والزوايا، كما في الحديث. وليس من شأن