تشتتت طُرُقهم، وتشتتت القلوب حسب تشتُّت الطُرق، وأما ما قيل من أنَّ المعنى: لا يعقلون أنّ تشتيت القلوب مما يُوهن قلوبهم، فبعيد.
الإشارة: إذا حاصر المريدُ قريةَ القلب ليُخرج منها الأوصاف المذمومة لتتهيأ لسكنى سلطان المعرفة، تقول الحظوظ والأهوية المنافقة للنفس، وأوصافها اليهودية: لا تخرجوا، فنحن نُعاونكم، وفي نصرتكم، لئن أُخرجتم لنخرجنَّ معكم، ولا نُطيع فيكم أحداً أبداً، وإن قوتلتم بالمجاهدة والرياضة؛ لننصرنكم بالتخاذل والتثُّبط، والله يشهد أنهم لكاذبون؛ إذ لا قدرة لشيء إلاّ بإذن الله. {لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ... } الآية. لا يقاتلونكم جميعاً، أي: لا يجتمع جند الهوى النفس على قتالكم، إلاّ في قلوب غافلة، شديدة العلائق والمساوىء محصنة من دخول النور بأسوار الشواغل والعلائق، أو: تُوَسْوِس من وراء جُدُر الإيمان، وأما القلوب الفارغة من الشواغل، المطهرة من المساوئ، فإنما يقاتلها البعض الباقي فيها. بأسهم بينهم شديد، أي: الحرب بينهم سجال، إذا غلب جند النفس استولت ظلماتها على الروح، وإذا غلب جند القلب والروح استولى النورُ على ظلمة النفس، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، أي: تظنون أنَّ مهاوي الهوى ومهاوي النفس واحدة، وقلوبهم شتى، فالأهواء مختلفة، والحظوظ متفاوتة، والمساوىء متفرقة، فلكل شخص حظ، ولكل نفس هوى غير ما يشتهي الآخر، وذلك بأنهم قوم لا يعقلون، ولو عقلوا لاتفقت أهواؤهم في محبة الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم:" لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يكُون هواه تابعاً لما جئتُ به ".
يقول الحق جلّ جلاله: مَثَلهم، أي: مثل اليهود في حلول البأس بهم {كَمَثَلِ الذين مِن قبلهم} وهم أهل بدر {قريبًا} أي: استقر مِن قبلهم زمنًا قريبًا، فكانت غزوة بني النضير على رأس ستة أشهر من بدر، كما صدر به البخاري عن الزهري. ثم قال: وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأُحد. هـ. قلت: وهو الموافق لِما تقدم في صدر السورة، وهو المشهور، {ذاقوا وبالَ أمرِهم} أي: ذاقوا سوء عاقبة أمرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القتل في الدنيا، {ولهم} مع ذلك في الآخرة {عذابٌ أليمٌ} .
ومَثَل المنافقين {كَمَثَلِ الشيطانِ إِذ قال للإِنسان اكْفُرْ فلما كفر قال إِني بريء منك