وجاهِدوا، وجيء به بصيغة الخبر للإيذان بوجوب الامتثال، فكأنه قد وقع، فأخبر بوقوعه، وقرىء " تؤمنوا " و " تجاهدوا " على إضمار لام الأمر. {ذلكم خير لكم} ، الإشارة إلى الإيمان والجهاد بقِسْميه، أي: هو خير لكم من أموالكم وأنفسكم {إن كنتم تعلمون} أنه خير لكم، وقد قلتم: لو نعلم أيّ الأعمال أحب إلى الله لسارعنا، فهذا هو أحب الأعمال إلى الله، أو: إن كنتم من أهل العلم؛ فإنَّ الجهلة لا يعتد بأفعالهم.
{يَغفر لكم ذنوبكم} : جواب للأمر المدلول بلفظ الخبر، على قول، أو شرط مقدر، أي: إن تُؤمنوا وتُجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم {ويُدْخِلْكم جناتٍ تجري مِن تحتها الأنهارُ ومساكنَ طيبةً} ولا تطيب إلاّ بشهود الحبيب {في جناتِ عَدْن} أي: إقامة لا انتقال عنها. وجنة عدن هي مدينة الجنة ووسطها، يسكنها الصالحون الأبرار من العلماء والشهداء، وفوقها الفردوس، هي مسكن الأنبياء والصدِّيقين من المقربين، هذا هو المشهور، كما في الصحيح، {ذلك الفوزُ العظيمُ} أي: ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة الموصوفة بما ذكر من الأوصاف الجليلة هو الفوز الذي لا فوز وراءه.
{
وأُخرى} أي: ولكم إلى هذه النعمة العظيمة نعمةٌُ أخرى عاجلة {تُحبونها} وترغبون فيها، وفيه شيء من التوبيخ على محبة العاجل. ثم فسَّرها بقوله:{نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ} أي: عاجِل، وهو فتح مكة، والنصر على قريش، أو فتح فارس والروم، أو: هل أَدُلكم على تجارةٍ تُنجيكم، وعلى تجارةٍ تُحبونها، وهي نصر وفتح قريب، {وبَشِّر المؤمنين} : عطف على " تؤمنوا " لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل لهم: آمنوا وجاهِدوا يُثبكم الله وينصركم، وبشر أيها الرسول بذلك المؤمنين.
{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصارَ الله} أي: أنصار دينه {كما قال عيسى ابنُ مريمَ للحواريين مَنْ أنصاري إِلى الله} ؟ أي: مَن يكون مِن جندي ومختصاً بي، متوجهاً إلى الله. ظاهره تشبيه كونهم أنصاراً بقول عيسى:{مَن أنصاري إلى الله} ولكنه محمول على المعنى، أي: كونوا أنصارَ الله، كما كان الحواريون أنصارَ عيسى، حينما قال لهم: مَن أنصاري إلى الله؟ {قال الحواريون نحن أنصارُ الله} أي: نحن الذين ينصرون دينه، والحواريون: أصفياؤه، وهم أول مَن آمن به من بني إسرائيل، قاله ابن عباس، وقيل: كانوا اثني عشر رجلاً. وحواري الرجل: صفوته وخاصته، من الحَور، وهو البياض الخالص، وقيل: كانوا قًصَّارين يُحوِّرون الثياب، أي: يُبيّضونها، وقيل: إنما سُمُّوا حواريين لأنهم كانوا يُطهرون النفوس بإقامتهم الدين والعلم، ولمَّا كفرت اليهود بعيسى عليه السلام، وهَمُّوا بقتله، فرَّ مع الحواريين إلى النصارى بقرية يُقال لها: نصرى، فنصوره، فقاتل اليهودَ بهم مع الحواريين، وهذا معنى قوله تعالى:{فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرت طائفةٌ} به، فقاتلوهم {فإيَّدنا الذين آمنوا} بعيسى عليه السلام {على عدوهم} أي: قوّيناهم {فأصبحوا ظاهِرين} ؛ غالبين عليهم.