{والله عليم بالظالمين} أي: بهم. وإيثار الإظهار في موضع الإضمار لذمهم والتسجيل عليهم بالظلم في كل ما يأتون وما يذرون من الأمور، التي من جملتها ادعاء ما هم عنه بمعزل من ولاية الله.
ثم إنهم لم يجسر أحدٌ منهم أن يتمناها، بل فرٌّوا منها، كما قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الموت الذي تفرون منه} ولم تجسروا أن تتمنوه خيفة أن تؤخذوا بوبال كفركم، {فإنه مُلاقيكم} لا محالة، من خير صارف يلويه، ولا عاطف يُثنيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" لو تَمَنَّوه لماتوا من ساعتهم "، وهذه إحدى المعجزات. ودخلت الباء في خبر " إن " مع أنه لا يجوز: إن زيداً فمنطلق؛ لأنَّ " الذي " قد عُرف فيه معنى الشرط والجزاء، كأنه قيل: إن فررتم من أي موت كان؛ من قتال أو غيره، فإنه ملاقيكم، {ثم تُرَدُّون إلى عالم الغيب والشهادة} الذي لاتخفى عليه خافية، {فيُنبئكم بما كنتم تعملون} من الكفر والمعاصي، بأن يجازيكم عليها. قال الكواشي: أكذب اللهُ اليهودَ في ثلاث، افتخروا بأنهم أولياء الله فكذبهم بقوله:{فتَمنَّواالموتَ} وبأنهم أهل الكتاب، والعرب لا كتاب لهم، فشُبِّهوا بالحمار يحمل أسفاراً، وبالسبت، وأنه ليس للمسلمين مثله، فجعل الله لهم الجمعة. هـ. ولذلك ذكرها بإثر تكذيبهم.
الإشارة: مَثَلُ الذي يقرأ القرآن ويتلوه ولا يتدبّر معانيه، أو يقرأ العلم ولا يعمل به، كمثل الحمار..الخ. وعُروض الموت على النفس، أو العمل أو الحال، ميزان صحيح، فكل حال وعمل، أو شخص هزمه الموت فهو معلول، وحب البقاء للترقِّي والتوسعة في المعرفة محمود، وغيره مذموم، وقد تقدّم في البقرة تفصيل ذلك، فراجعه إن شئت.
وأمّا تمني الموت فقد نُهي عنه، إلاّ لخوف الفتنة، فقد قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما: ما لك تُكثر الدعاء بالموت؟ وما الذي مَلِلت من العيش؟ أما تُقوّم فاسداً وتعين صالحاً؟ فقال عمر: يا بن عباس! كيف لا أتمنى الموت، وأطلب القدوم على الله، ولست أرى في الناس إلاّ فاتحاً فاه لِلعدة من الدنيا إمّا بحق لا يثق به، أو بباطل لا يناله، ولولا أن يسألني ربي عن الناس لفررت منهم، وتصبح الأرض مني بلاقع. هـ.
وقيل لسفيان الثوري: لِمَ تتمنَّ الموت، وقد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنه؟ فقال: إن سألني ربي عن ذلك أقول: لثقتي بك يا رب، وخوفي من الناس، ثم أنشد: