يقول الحق جلّ جلاله:{وإِذا قيل لهم} عند ظهور نفاقهم: {تعالَوا يستغفر لكم رسولُ الله لَووا رؤوسَهم} أي: عطفوا استكباراً. وقرأ غير نافع بالتشديد للمبالغة. {ورأيتهم يصُدُّون} أي: يُعرضون عن القائل، أوعن الاستغفار، {وهم مستكبرون} عن الاعتذار والاستغفار.
رُوي أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين لقي بني المصطلق على المُرَيْسيع ـ وهوماءٌ لهم ـ وهزمهم، وقتلهم، ازدحم على الماء " جهجاه " أجير لعُمر ـ مع سِنانٍ ـ حليف لعبد الله بن أُبيّ المنافق ـ فصرخ جهجاه: يا للمهاجرين! وصرخ سنان: يا للأنصار! فأعان جَهْجَاهاً جُعال من فقراء المهاجرين، ولطم سناناً، فقال ابنُ أُبيّ: أُوَقد فعلوها، وقال: وما صحبنا محمداً إلا لنُلطَم! وما مثلنا ومثلهم إلاَّ كما قائل القائل: سمِّن كلبك يَأكُلْكَ! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ. ثم قال لقومه: كُفوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تُنفقوا على مَن عنده حتى ينفضُّوا ويتركوه، فسمع ذلك زيدُ بن أرقم، وكان حدثاً، فقال: أنت ـ والله ـ الذليلُ، المبَغَّضُ في قومك، ومحمد على رأسه تاج المعراج، في عزّ من الرحمن، وقوةٍ من المسلمين، فقال عبد الله: اسكت، فإنما كنتُ ألعب، فأخبر زيدٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنقَ المنافق! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إذن تُرْعَدُ أنوفٌ كثيرة بيثرب " قال: فإن كرهت أن يقتله مُهاجريّ، فمُر به أنصاريًّا، فقال:" فكيف إذا تحدّث الناسُ أنّ محمداً يقتل أصحابه؟ " فأرسل صلى الله عليه وسلم له، فأتى، فقال:" أنت صاحب الكلام الذي بلغني "؟ فقال: والذي أنزل عليك الكتاب ما قلتُ شيئاً من ذلك، وإنّ زيداً لكاذب، وهو قوله:{اتخَذوا أَيمانهم جُنَّة} فقال الحاضرون: يا رسول الله! شيخُنا وكبيرُنا، لا تُصدق عليه كلام غلام، عسى أن يكون قد وَهم، قال زيد: فوجدتُ في نفسي، ولآمَنِي الناسُ، فلزمتُ بيتي، فلما نزلت الآية، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيد:" يا غلام إنَّ الله قد صَدَّقك وكذّب المنافقين "، فلما بان كذب عبد الله؛ قيل له: قد نزلت فيك آيٌ شِدادٌ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، وقال: أمرتموني أن أومن
فآمنتُ، وأمرتموني أن أزكي مَالي، فزكّيتُ، ما بقي لي إلاّ أن أسجد لمحمد، فنزل:{وإذا قيل لهم تعالوا ... } الآية، وما بقي إلاّ أياماً حتى اشتكى ومات.