{فذاقت وَبَالَ أمرِها} أي: وخامة شأنها، وعقوبة فعلها. قال في الصحاح: والوَبَلَة ـ بالتحريك: الثِقَّلُ والوخَامةُ، وقد وَبُل المرتعُ بالضم وَبْلاً ووَبَالاً، فهو وَبيلٌ، أي: وخِيمٌ. هـ. وفي القاموس: وبُلَ ككَرُمَ وبَالةً ووبالاً ووبُولاً، وأرض وَبِيلَةٌ: وخيمةُ المرتَعِ. هـ. {وكان عاقبةُ أمرها خُسراً} أي: خساراً وهلاكاً.
{أعدَّ اللهُ لهم} في الآخرة {عذاباً شديداً} ، وعلى أنَّ الكل في الآخرة يكون هذا تكريراً للوعيد وبياناً لكونه مترقباً، كأنه قال: أعدّ الله لهم هذا العذاب الشديد، {فاتقوا اللهَ يا أُولي الألبابِ} في مخالفة أمره، واحذروا ما حلّ بمَن طغى وعتا. وأولو الألباب هم أهل العقول الصافية، ثم فسَّرهم بقوله:{الذين آمنوا} إيماناً خالصاً من شوائب الشرك والشك، فالموصول عطف بيان لأولي الألباب، أو نعت، أو منصوب بأعِني، {قد أنزل اللهُ إِليكم ذكراً} أي: القرآن.
وانتصب {رسولا} بفعل مضمر، أي: وأرسل رسولاً، أو: هو بدل من " ذِكْراً " كأنه في نفسه ذكر، أو: على تقدير حذف مضاف، قد أنزل ذا ذكر رسولاً، وأريد بالذكر: الشرف، كقوله:{وَإِنَهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف: ٤٤] أي: ذو شرف ومجدٍ عند الله، أو: للمنزَل عليه، أو: لقارئه، وبالرسول: جبريل، أو محمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ {يتلوا} أي: الرسول، أو الله ـ عزّ وجل ـ {عليكم آياتِ الله مُبينات} أي: واضحاتٍ، قد بيَّنها اللهُ تعالى لقوله:{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأَيَات}[آل عمران: ١١٨والحديد: ١٧] وقرىء بكسر الياء، أي: تُبين ما تحتاجون إليه من الأحكام، {لِيُخرج الذين آمنوا وَعمِلوا الصالحاتِ من الظلمات إِلى النور} متعلق بـ " يتلو "، أو: بـ " أنزل "، وفاعل " يُخرج " إما الله، أو الرسول، أي: ليحصّل لهم الله أو الرسول ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح، أو: ليخرج من عَلِمَ وقدّر أنه سيؤمن، {ومَن يؤمن بالله ويعمل صالحاً} حسبما بُيّن في تضاعيف ما أنزل من الآيات المبينات {يُدخله جناتٌ تجري من تحتها الأنهارُ} ، وقرأ نافع والشامي بنون العظمة {خالدين فيها أبداً} ، والجمع باعتبار معنى " مَن " كما أنَّ الإفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها، {قد أحسن اللهُ له رزقاً} في الدنيا والآخرة. قال القشيري: الرزقُ الحَسَنُ: ما كان على حَدِّ الكفاية، لا نقصان فيه، ليضعف عن كفاية صاحبه، ولا زيادةَ فيه تَشْغَلهُ عن ربهم. هـ. بالمعنى. وسيأتي في الإشارة بقيته.
الإشارة: وكأيّن من قريةٍ من قرى القلوب عتت عن أمر ربها؛ عن تحمُّل أعباء العبودية؛ لأنّ القلب لا يحب إلا العلو والغنى والراحة، فإذا أراد العبد أن ينزل إلى الخمول والذل والفقر والتعب عَتَا وتَكَبَّر، وقد حكم اللهُ تعالى بالطبع على القلب المتكبّر، بقوله:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِرٍ جَبَّارٍ}[غافر: ٣٥] في قراءة الإضافة، والمراد بالرسل: الواردات القهرية، فالقلب أيضاً شأنه الفرار منها؛ لأنها تهدم عليه عوائده، وحسابه تعالى لها إحصاؤه لخواطرها، وعتابه عليها، وتعذيبه بالجزع