للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى بدلكن {أزواجاً خيراً منكن} ، قال النسفي: فإن قلتَ: كيف تكون المبدّلات خيراً منهنَ، ولم يكن على وجه الأرض نساء خيراً من أمهات المؤمنين؟ قلتُ: إذا طلّقهنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لإيذائهنّ إياه لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف خيراً منهن. هـ. وأجاب أبو السعود: بأنّ ما عُلّق بما لم يقع لا يجب وقوعه. هـ. وليس فيه ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُطلِّق حفصة، فإنّ تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة.

ثم وصف المبدَلات بقوله: {مُسلماتٍ مؤمناتٍ} أي: مُقرّات مخلصات، أو: منقادات مصدّقات، {قانتاتٍ} ؛ طائعات، فالقنوت: هو القيام بطاعة الله، وطاعة الله في طاعة رسوله، {تائباتٍ} من الذنوب {عابداتٍ} ؛ متعبدات متذللات، {سائحاتٍ} ؛ صائمات، وقيل للصائم: سائح؛ لأنَّ السائح لا زاد معه، فلا يزال ممسكاً إلى أن يجد من يُطعمه، فشبّه به الصائم في إمساكه إلى وقت إفطاره، أو: مهاجرات. قال زيد بن أسلم: لم يكن في هذه الأمة سياحة إلاَّ الهجرة، {ثيباتٍ وأبكاراً} ، إنما وسط العاطف بين الثيبات والأبكار، دون سائر الصفات؛ لأنهما صفتان متباينتان، وعَطْف الأبكار على الثيبات من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى، كقوله تعالى: {وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً ... } [التوبة: ١٢١] . والله تعالى أعلم.

الإشارة: توجه العتاب له صلى الله عليه وسلم مرتين في تحريم الجارية، وفي إخفائه لذلك، إذ فيه بعض مراقبة الخلق، والعارف لا يُراقب إلاّ الحق، فهذا قريب من قوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أّحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} [الأحزاب: ٣٧] ، ففيه من التصوُّف: أنَّ العارف يكون الناس عنده كالموتى، أو كالهباء في الهواء، وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: " لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يكون الناس عنده كالأباعر " إذا ليس بيدهم نفع ولا ضر.

وإشارة الآية على ما قال القشيري: وإذ أَسَرَّ القلبُ إلى بعض أزواجه، وهي النفس والهوى، حديث المخالفة، على طريق " شاوروهنّ وخالِفوهنّ " فلما نبأت النفسُ الهوَى لتفعلا ذلك، وأظهره الله عليه بوحي الإلهام، عَرَّف بعضَه وأعرض عن بعض، أي: عاتبهما على البعض، وسامحهما في الآخر، فلما نبأ القلبُ النفسَ بما أفشت للهوى، قالت: مَن أنبأك هذا.. الخ، إن تتوبا إلى الله، وتنقادا لحكمه فقد وقع منكما ما يوجب التوبة، وإن تظاهرا على القلب بتزيين المخالفة وتتبع الحظوظ والشهوات، فإنَّ الله هو مولاه، ينصره بالأجناد السماوية والأرضية، من التأييدات والواردات، عسى ربه إن طلقكن

<<  <  ج: ص:  >  >>