للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال القشيري: لما سبقتً للمرأتين الفُرْقةُ يوم القِسْمة، لم تنفعهما القرابةُ يومَ العقوبة. هـ. قال ابن عطية: وقول مَن قال: إنَّ في المثلَين عبرة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعيد. هـ. قلت: لا بُعد فيه لذكره إثر تأديب المرأتين، وليس فيه غض لجانبهنّ المعظم، إنما فيه إيقاظ وإرشاد لما يزيدهم شرفاً وقُرباً من تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته، وصيانة سِره، والمسارعة إلى ما فيه محبتُه ورضاه، وكل مَن نصحك فقد أحبّك، وكل مَن أهملك فقد مقتك.

{

وضَرَبَ اللهُ مثلاً للذين آمنوا} في أنهم ينفعهم إيمانهم، ولو كانوا تحت قهرية الكفرة، حيث لم يميلوا عنه، {امرأة فرعونَ} ، وهي أسية بنت مزاحم، وهي عمة موسى عليه السلام، آمنت به فعذّبها بالأوتاد الأربعة، وتَدَ يديها ورجليها وألقاها في الشمس على ظهرها، وألقى عليها صخرةَ عظيمة، فأبصرت بيتَها في الجنة، من دُرة، وانتزع اللهُ روحَها، فلقيتها الصخرة بلا روح، فلم تجد ألماً، وقال سَلْمَان: كانت امرأة فرعون تُعذَّب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة، وفيه بيان أنها لم تمِل عن الإيمان مع شدة ما قاست من العذاب، وكذا فليكن صوالح النساء، وأمر عائشة وحفصة أن يكونا كآسية هذه. هـ. من الثعلبي.

{إِذ قالتْ} : ظرف لمحذوف، أي: ضرب مثلاً لحالها حين قالت: {رَبِّ ابْنِ لي عندكَ} أي: قريباً من رضوانك {بيتاً في الجنة} أو: في أعلى درجات المقربين، رُوي: أنها لَمّا قالت ذلك أُريت بيتها في الجنة. {ونجِّني من فرعونَ وعملِهِ} أي: من نفسه الخبيثة وعمله السيىء {ونجني من القوم الظالمين} أي: من القبط التابعين له في الظلم قال الحسن وابن كيسان: نجاها الله أكرمَ نجاةٍ، ورفعها إلى الجنة، فهي فيها تأكل وتشرب. هـ.

{ومريمَ ابنة عمرانَ} : عطف على " امرأة فرعون " أي: وضرب اللهُ مثلا للذين آمنوا حالَها وما أُتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين، مع كون قومها كفاراً، {التي أحْصَنَتْ فَرْجَها} ؛ حفظته {فنفخنا في مِن روحنا} المخلوقة لنا، أو: من روح خَلقتُه بلا واسطة، {وصدَّقتْ بكلماتِ ربها} ؛ بصُحفه المنزلة، أو: بما أوحى اللهُ إلى أنبيائه، {وكتابه} أي: جنس الكتاب الشامل للكل، وقرأ البصري وحفص بالجمع، أي: كُتبه الأربعة، وقُرىء: " بكلمة الله وكتابه " أي: بعيسى وبالكتاب المنزَّل عليه الإنجيل، {وكانت من القانِتين} أي: من عدة المواظبين على الطاعة، والتذكير للتغليب، والإشعار بأنَّ طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال، حتى عُدت من جملتهم، أو كانت من نسل القانتين؛ لأنها من أعقاب هارون، أخي موسى عليهما السلام. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " كَمُل مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إلا أربع: آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وفضل عائشة على النساء كفضل

<<  <  ج: ص:  >  >>