في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، وفي رواية: كان يأخذ قوت سنة، ويتصدّق بالباقي، وكان ينادي على الفقراء وقت الصرام، فلما مات أبوهم؛ قالوا: لقد قلَّ المال، وكثر العيال، فتحالفوا بينهم ليغدوا غدوة قبل خروج الناس، ويصرمونه، ولا يشعر المساكين، وهو قوله تعالى:
{إِذْ أقسَموا} ؛ حلفوا {لَيَصْرِمُنَّهَا مصبحين} ؛ ليقطفنّها داخلين في الصباح، قبل انتشار الفقراء، {ولا يستثنون} ؛ لا يقولون إن شاء الله، وسمي استثناء، وإن كان شرطاً صورةً؛ لأنه يؤدي مؤدّى الاستثناء؛ لأنّ قولك: لأخرجنّ إن شاء الله، و: لا أخرج إلا أن يشاء الله، واحدٌ، أو: لا يستثنون؛ حصة المساكين، كما كان يفعل أبوهم.
{
فطاف عليها} أي: على الجنة {طائف من ربك} أي: نزل عليها بلاء من جهته تعالى، قيل: أنزل الله عليها ناراً فأحرقتها، وقيل: طاف بها جبريل، لأنه الموكل بالخسف، فاقتلعها، وطاف بها حول البيت، ثم وضعها بالطائف، وليس بمكة وما قرب منها بستان غيرها، وهي مدينة الطائف. انظر اللباب. {وهم نائمون} أي: في حال نومهم، أوَ: غافلون عما جرت به المقادير، {فأصبحتْ} أي: فصارت الجنة {كالصَّرِيم} ؛ كالبستان الذي صرمت ثماره، بحيث لم يبقَ فيها شيء، وقيل: كالليل المُظلم، احترقت فاسودّت، أو: كالصبح، أي: صارت أرضاً بيضاء بلا شجر. وفي القاموس: الصريم: الأرض المحصود زرعها، والصبح والليل. هـ.
{فَتَنَادَوا} أي: نادى بعضُهم بعضاً {مُصْبِحين} ؛ داخلين في الصباح:{أَنِ اغْدوا} أي: اخرجوا غدوه {على حَرْثِكم} ؛ بستانكم وضيعتكم، وتعدية الغدو بـ " على " لتضمنه معنى الإقبال والاستيلاء، {إِن كنتم صارمين} ؛ قاصدين الصرم. {فانطلقوا وهم يتخافتون} ؛ يتساررون فيما بينهم بطريق المخافتة، لئلا يسمع المساكين {أن لا يدخلنَّها} أي: الجنة، و " أن " مفسرة، أي: قائلين في تلك المخافتة: لايدخلنها {اليومَ عليكم مسكين} ، والنهي عن دخول المساكين نهي عن التمكين على وجه المبالغة، أي: لا تُمكنوهم من الدخول. {وغَدَوا على حَرْدٍ} ؛ على جِدٍّ في المنع {قادرين} عند أنفسهم على المنع، كذا عن نفطوية، من قولهم: حردت الإبل إذا قلَّت ألبانها فمنعتها، و " حاردت السنة " إذا كانت شهباء، من قلة مطرها، أو: الحرد: القصد والسرعة، يقال: حَرَدَ حَرْده، أي: قصد قصده، قال الشاعر: