لي ودًّا، وكان قد رآها مراراً، قال: تمثال رجل أعظم ما يكون من الرجال، مؤتزر بحُلة، مرتدٍ بأخرى، مقلَّداً سيفاً، راكباً فرساً، وفي يده حربة فيها لواء، ومعه قوس، ونبل في جعبة. هـ. ثم دفع عمرو لمُضر سُواعاً، فعكفت على عبادته مع هُذيل، ثم فرّق تلك الأصنام على القبائل على حسب ما تقدّم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رأيتُ عمْرو بن لُحي ليلة أُسري بي رجلاً أحمر، قصيراً أزرق، وهو يَجُرُّ قُصْبَهُ في النار، لأنه أول مَن بَحَّرَ البَحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، وغيّر دين إسماعيل "، وهو من خزاعة، كان يسكن مكة، فولد بها أولاداً فكثروا، فنفوا مَن كان منها من العماليق. انظر اللباب.
ثم قال تعالى:{وقدْ أَضلوا} أي: الرؤساء، أو: الأصنام، كقوله:{إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ}[إبراهيم: ٣٦]{كثيراً} أي: خلقاً كثيراً، {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضلالاً} ، قال المحشي: وقد يقال: إن هذه الجملة مسببة عما قبلها فحقها الفاء، لكن تُركت لمكان الاستئناف، أي: البياني، كأنه قال: فما تريد بهذا القول؟ فقال: ولا تزد الظالمين. هـ. ووضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالظلم المفرط، وتعليل الدعاء عليهم به. والمراد بالضلال: الهلاك، كقوله:{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ}[القمر: ٤٧] .
{مما خطيئاتِهم} أي: من أجل خطيئاتهم. " وما " مزيدة للتوكيد والتفخيم، {أُغرقوا} بالطوفان. وتقديم " مما " لبيان أن إغراقهم ودخولهم النار، إنما كان لأجل خطاياهم، لا لسبب آخر، {فأُدْخِلوا ناراً} عظيمة، والمراد: إمّا عذاب القبر؛ لأنه عقب الإغراق، أو حين كانوا في الماء، فقد رُوي أنهم كانوا يغرقون من جانب، ويُحرقون من جانب. أو: عذاب جهنم، والتعقيب لقربه باعتبار تحقُّق وقوعه. وتنكير " النار " إما لتعظيمها وتهويلها، أو لأنه تعالى أعدّ لهم نوعاً من العذاب على حسب خطيئاته، {فلم يجدوا لهم من دون اللهِ أنصارا} ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، وفيه تعريض بعدم نفع آلهتهم، وعدم قدرتهم على نصرهم. قيل: كان قوم نوح أهل وُسع في الزرق، فطَغوا، وكانوا يؤذون نوحاً، ويحرشون عليه ويضربونه، حتى ربما يغشى عليه، فإذا أفاق قال:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ". كما في الحديث.
{وقال نوحٌ رَبِّ لاَ تَذّرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين ديَّاراً} أي: أحداً يدور في الأرض، وهو " فَيْعَالٌ " من الدّورِ، وهو من الأسماء المستعلمة في النفي العام، يقالك ما بالديار ديَّار وديّور، كقيّام وقيوم، أي: أحد، وأصله: دّيْوار، ففعل به ما فعل بسَيِّد. {إِنك إِن تَذَرْهُم} ولا تهلكهم {يُضلُّوا عبادك} عن طريق الحق، يدعوهم إلى الضلال، {ولا يلدوا إِلاَّ فاجراً كفاراً} أي: إلاّ مَن إذا بلغ جحد وكفر، وإنما قال ذلك؛ لاستحكام علمه بما يكون منهم