للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستند الصوفية فى ذكرهم لهذا الإشارات إلى الحديث النبوي الشريف: «لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع» .

وتعددت أقوال العلماء فى معنى الظاهر والباطن «١» وكلها لا تشير إلى أن للقرآن حقيقتين، إحداهما ظاهرة، والأخرى باطنة، بل تعنى أن القرآن له حقيقة واحدة، ولكن هذه الحقيقة تتنوع وتختلف بالنسبة للناس. فالناس طبقات منهم الكافر الذي لا يزيده القرآن إلا خسارا، ومنهم المنافق الذي لا يزداد إلا مرضا، ومنهم المسلم الذي يواجه القرآن الفهم بسيط، ومنهم المؤمن الذي يقرأه بفكر دقيق ووعى عميق، ومنهم المحسن الذي يعبد الله كأنه يراه، فيقرأ القرآن كأنه يسمعه من ربه. وهناك من يقف عند ظاهر اللفظ، وهناك من يطلعه الله على ما تضمنه هذا الظاهر من أسرار وإشارات.

ولقد كان باطن اللفظ القرآنى المخزون فى ظاهر اللفظ شيئا معروفا لدى الصحابة، فى زمن الرسول، صلى الله عليه وسلّم، ومن ذلك: قصة سيدنا عمر بن الخطاب، مع سيدنا عبد الله بن عباس وجلة الصحابة- رضى الله عنهم أجمعين- فى سؤاله لهم تفسير سورة النصر، وفهم ابن عباس أن ذلك فيه إشارة إلى نعى الرسول- صلى الله عليه وسلم «٢» .

الفرق بين مذهب الباطنية ومذهب الصوفية:

فرق كبير جدا بين مذهب السادة الصوفية الراشدين، فى فهم إشارات القرآن، وبين ما يقول الباطنية، فالباطنية ومن والاهم يجعلون المراد من النص ليس لفظه الظاهر بمعناه القريب، ولكنهم يعتقدون أن المراد بالذات من النص إنما هو الإشارة التي ينطوى عليها النص، وبذلك تأولوا القرآن، واستخرجوا لأنفسهم أحكاما وعقائد ليست من الإسلام فى شىء على الإطلاق.

أما (السادة الصوفية فهم يعتقدون أن النص على ظاهره مرادا به حقيقته الظاهرة، ولا يحيلون كلام الله تعالى عن وجهه المجمع عليه من الأمة، ولكنهم يرون أن الله يفتح على بعض خواصه بأسرار ودقائق، تزيد على المفهوم العام من النص، ولا تتعارض معه، بل هى تؤيده، وتعتبر إضافة من شرائف المعاني التي تزيد من شرف الظاهر، فهى فتوحات، لا تبطل شيئا من الأمر والنهى، ولكنها تضفى عليه زينة وجمالا) «٣» .

ولنستمع إلى صوت حجة الإسلام الغزالي فى هذا الشأن إذ يقول: (فالنقل والسماع لا بد منه فى ظاهر التفسير أولا، ليتقى به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط ... ولا يجوز التهاون بحفظ الظاهر أولا، ولا مطمع فى الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعى البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب..) «٤» .


(١) انظر فى بيان معانى الظاهر والباطن (تفسير الآلوسى ١/ ٧، التفسير والمفسرون للدكتور الذهبي ٢/ ٢٤٠)
(٢) أخرج القصة البخاري فى (التفسير، سورة وإذا جاء نصر الله والفتح) .
(٣) مجلة المسلم عدد ربيع الأول عام ١٣٩٥ هـ. مقال «معالم التفسير الصوفي» للإمام الرائد محمد زكى إبراهيم.
(٤) إحياء علوم الدين ١/ ٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>