عطية: قوله تعالى: (وأنه ... ) إلخ، يحتمل أن يكون خطاباً من الله تعالى، وأن يكون إخباراً عن الجن.
{قال إِنما أدعو} أي أعبد {ربي ولا أُشرك به} في عبادتي {أحداً} ، فليس ذلك ببدع ولا بمستنكر يوجب التعجُّب أو الإطباق على عداوتي، وقرأ عاصم وحمزه " قل " بالأمر، ثم تبرّأ من ملِك الضر والنفع لأحد ولا لنفسه، وأنَّ ذلك لله وحده، فلا يُعبد إلاَّ إياه، فقال:{قل إِني لا أملك لكم ضرًّا ولا رَشَداً} ، والأصل: لا أملك لكم ضرا ولا نفعاً، ولا غيًّا ولا رشداً، فترك من كلا المتقابلين ما ذكر في الآخر، أو أراد بالضر: الغي، أي: لا أستطيع أن أضركم ولا أنفعكم؛ إذ ليس من وظيفتي إلاَّ الإنذار. {قل إِني لن يُجيرني من الله أحدٌ} أي: لن يدفع عني عذابه إن عصيته، كقول صالح عليه السلام:{فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ}[هود: ٦٣] ، {ولن أجد من دونه مُلتحداً} ؛ مُلتجئاً {إلا بلاغاً من الله} ، استثناء من {لا أملك} أي: لا أملك لكم شيئاً إلا تبليغ الرسالة، و {قل إني لن يجيرني} : اعتراض لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه، وبيان عجزه، وقيل:{بلاغاً} : بدل من {ملتحداً} ، أي: لن أجد من دونه ملجاً إلاّ أن أُبلّغ عنه ما أرسلني به، أي: لا ينجيني إلاَّ أن أُبلغ عن الله ما أُرسلت به فإنه ينجيني، وقوله:{ورسالاته} : عطف على " بلاغاً "، كأنه قيل: لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات، أي: إلا أن أُبلغ عن الله، فأقول قال الله كذا، ناسباً قوله إليه، وأن أُبلّغ رسالاته التي أرسلني بها، بلا زيادة ولا نقصان و (مِن) ليست صلة للتبليغ، إنما هي بمنزلة (مِن) في قوله: {بَرَآءَةٌ مِّنَ اللهِ}[التوبة: ١] أي: بلاغاً كائناً من الله وتبليغ رسالاته، قاله النسفي. والله تعالى أعلم.
الإشارة: وأنَّ مساجد الحضرة لله، والحضرة: شهود الذات الأقدس وحدها، فلا تدعوا مع الله أحدا، أي: لا تَروا معه غيره، فتخرجوا من حضرته، وأنه لما قام عبدُ الله، وهو الداعي إلى الله في كل زمان يدعوه، ويدعو إليه، كادوا يكونون عليه لِبداً، إمّا متعجبين منه، أو مقتبسين من أنواره، قال: إنما أدعو ربي ولا أُشرك به شيئاً، قل يا أيها الداعي لتلك اللبد، لا أملك لكم من الله غيًّا ولا رشداً، إلاَّ بلاغاً، أي إنذاراً وتبليغ ما كُلفت به، فإنما أنا أدعو، والله يهدي على يدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم، قل يا أيها الداعي: إني لن يُجيرني من الله أحد إن قَصّرت في الدعوة أو أسأت الأدب، ولن أجد من دونه ملتجأ. وبالله التوفيق.