لا مهرب من قضاء الله، " إلى ربك يومئذ المستقر "، أي: لا محيد عن حكمه. هـ. والمفر: مصدر، وقرأ الحسن بكسر الفاء، فيحتمل المكان أو المصدر.
{
كلاَّ} ؛ ردعٌ عن طلب المفرّ وتمنِّيه، {لا وَزرَ} ؛ لا ملجأ ولا حصن، وأصل الوَزر: الجبل الذي يمتنع فيه. قال السدي: كانوا إذا فزعوا تحصَّنوا في الجبال، فقال تعالى: لا جبل يعصمكم يومئذ مني، {إِلى ربك يومئذ المستقَرُّ} أي: إليه خاصة استقرار العباد، ومنتهى سيرهم، أو: إلى حُكمه استقرار أمرهم، أو: إلى مشيئته موضع قرارهم، يُدخل مَن يشاء الجَنة ومَن يشاء النار، {يُنبّأُ الإِنسانُ يومئذٍ} أي: يُخبر كل امرىء، برًّا كان أو فاجراً، عند وزن الأعمال {بما قَدَّم} من عمله خيراً كان أو شرًّا، فيُثاب على الأول، ويُعَاقب على الثاني، {وما أخَّرَ} أي: لم يعمله خيراً كان أو شرًّا، فيُعاقب بالأول ويثاب على الثاني، أو: بما قدم من حسنة أو سيئة قبل موته، وبما أَخَّرَ من حسنة أو سيئة سَنَّها فعُمل بها بعد موته، أو: بما قدّم في أول عمره، وأخَّرَ عمله في آخر عمره، أو: بما قَدَّم من أمواله أمامه، وأخَّرَ آخره لورثته، نظيره. {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}[الانفطار: ٥] .
{بل الإِنسانُ على نفسِهِ بصيرةٌ} أي: شاهِدٌ بما صدر عنه من الأعمال السيئة، كما يُعرب عنه التعبير بـ " على " وما سيأتي من الجملة الحالية، والتاء للمبالغة، كعلاّمة، أو: أنّثه لأنه أراد به جوارحه؛ إذ هي التي تشهد عليه، أو: هو حُجّة على نفسه، والبصيرة: الحُجة، قال الله تعالى:{قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِكُمْ}[الأنعام: ١٠٤] وتقول لغيرك: أنت حُجّة على نفسك. ومعنى " بل ": الترقي، أي: يُنبأ الإنسان بأعماله، بل هو يومئذ عالم بتفاصيل أحواله، شاهد على نفسه، لأنّ جوارحه تنطق بذلك. و " بصيرة ": مبتدأ، و " على نفسه ": خبر مقدّم، والجملة: خبر " الإنسان "، {ولو أَلْقَى معاذِيرَه} : حال من الضمير في " بصيرة "، أو: من مرفوع (ينبأ) أي: ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه أي: هو بصيرة على نفسه، تشهد عليه جوارحُه، ويُعمل بشهادتها، ولو اعتذر بكل معذرة، أو يُنبأ بأعماله ولو اعتذر..الخ. والمعاذير: اسم جمع للمعذرة، كالمناكير اسم جمع للمنكَر، لا جمع؛ لأنّ جمعها معاذِر بالقصر، وقيل: جمع " مِعْذار " وهو: الستر، أي: ولو أرخى ستوره. وقيل: الجملة استئنافية، أي: لو ألقى معاذيره ما قُبلت منه، لأنَّ عليه مَن يُكذِّب عُذره، وهي جوارحه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قد قرن الله تعالى قسَمَه بالنفس اللوّامة بِقسَمِه بيوم القيامة، لمشاركتها له في التعظيم، بل النفس اللوَّامة أعظم رتبة عند الله، لأنها تكون لوّامة تلوم صاحبها على القبائح، ثم تكون لهَّامة تُلهمه الخيرات والعلوم اللدنية، ثم تكون مطمئنة، حين تطمئن بشهود الحق بلا واسطة، بل تستدل بالله على غيره، فلا ترى سواه، فحينئذ ترجع إلى أصلها، وتُرجع الأشياء كلها إلى أصولها، وهو القِدَم والأبد، فيتلاشى الحادث ويبقى