وقوله:{عن النبأ العظيم} يتعلق بمحذوف، دلّ عليه ما قبله، فيوقف على " يتساءلون " ثم ليستأنف " عن النبأ ... " الخ، أي: يتساءلون عن الخبر العظيم، وهو البعث وما بعده، أو القرآن، فتكون المناسبة بين السورتين قوله:{فَبِأَيْ حَدِيِث بَعْدَهُ يُؤْمِنُون}[المرسلات: ٥٠] مع قوله: {عن النبأ العظيم} ، والأحسن: أنه كل ماجاءت به الشريعة من البعث والتوحيد والجزاء وغير ذلك.
قال ابو السعود: هو بيان لشأن المسؤول عنه، إثر تفخيمه بإبهام أمره، وتوجيه أذهان السامعين نحوه، وتنزيلهم منزلة المستفهمين، لإيراده على طريقة الاستفهام من علاّم الغيوب، للتنبيه على أنه لعدم نظيره خارج عن دائرة علم الخلق، حقيق بأن يُعتنى بمعرفته ويُسأل عنه، كأنه قيل: عن أي شيء يتساءلون، هل أُخبركم به، ثم قيل بطريق الجواب: عن النبأ العظيم، على منهاج قوله تعالى:{لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر: ١٦] فـ " عن " متعلقة بما يدل عليه المذكور، وحقه أن يُقَدَّر مؤخراً، مسارعة إلى البيان، هذا هو الحقيق بالجزالة التنزيلية، وقد قيل: هي متعلقة بالمذكور، و " عَمَّ " متعلق بمضمر مفسَّر به، وأيّد ذلك بأنه قُرِىء " عمَّه "، والأظهر: أنه مبني على إجراء الوصل مجرى الوقف، وقيل:" عن " الأولى للتعليل، كأنه قيل: لِمَ يتساءلون عن النبأ العظيم؟ والنبأ: الخبر الذي له شأن وخطر. هـ.
{
الذين هم فيه مختلفون} ، فمنهم مَن يقطع بإنكاره، ومنهم مَن يشك، فمنهم مَن يقول:{مَاهِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}[الجاثية: ٢٤] ومنهم مَن يقول: {مَّا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ}[الجاثية: ٣٢] ومنهم مَن يُنكر المعادين معاً، كهؤلاء، ومنهم مَن يُنكر المعاد الجسماني، كبعض أهل الكتاب. أو: في القرآن، فمنهم مَن يقول: سحر، ومنهم مَن يقول: كهانة، ومنهم مَن يقر بحقيّته، ويُنكره حسداً وتكبُّراً. والضمير في " هم فيه " للتأكيد، وفيه معنى الاختصاص، ولم يكن لقريش اختصاص بالاختلاف، لكن لمّا كان خوضهم فيه أكثر، وتعقبهم له أظهر، جعلوا كأنهم مخصوصون به. هـ. قاله الطيبي. فـ " فيه " متعلق بـ " مختلفون "، قُدِّم اهتماماً به ورعاية للفواصل، وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات، أي: هم راسخون في الاختلاف، وقيل: المراد بالاختلاف: مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في إثباته، حيث أنكروه، فيحمل الاختلاف على صدور الفعل من متعدد، لا علَى مخالفة بعضهم لبعض من الجانبين، لأنَّ الكل وإن استحق الردع والوعيد، لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر، إذ لا حقيّة في شيء منهما حتى يستحق مَن يخالفه المؤاخذة، بل لمخالفته له صلى الله عليه وسلم في إثباته. هـ. انظر أبا السعود.
{كلاَّ} ، ردع عن الاختلاف والتساؤل بالمعنى المتقدم، {سيعلمون} عن قريبٍ حقيقة الحال إذا حلّ بهم العذاب والنكال، {ثمَّ كلاَّ سيعلمون} ، تكرير للردع والوعيد للمبالغة في التأكيد والتشديد. والسين للتقريب والتأكيد. و " ثم " للدلالة على أنَّ الوعيد