أو: حال بمعنى مكتوب في اللوح المحفوظ، أو في صحف الحفظة، والجملة اعتراض، وقولة تعالى:{فذُوقوا فلن نزيدكم إِلاَّ عذاباً} مسبب عن كفرهم بالحساب، وتكذيبهم بالآيات، أي: فذوقوا جزاء تكذيبكم والالتفات شاهد على شدّة الغضب. روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنَّ هذه الآية أشدُّ ما في القرآن على أهل النار ". الإشارة: إنَّ يوم الفصل بين العمومية والخصوصية، أو تقول: بين الانتقال من مقام أهل اليمين إلى مقام المقربين، كان في علم الله ميقاتاً، أي: مؤقتاً، وهو يوم انتقاله من شهود الأكوان إلى شهود المكوِّن، أو من مقام البرهان إلى مقام العيان. يوم يُنفخ في صور الأرواح التي سبقت لها العناية، فيُزعجها شوق مقلق أو خوف مزعج، فتأتون إلى حضرة القدس، تسيرون إليها على يد الخبير أفواجاً، وفُتحت سماء الأرواح ليقع العروج إليها من تلك الأرواح السائرة، فكانت أبواباً، وسُيرت جبال العقل حين سطوع أنوار الحقائق، فكانت سراباً، فلا يبقى من نور العقل إِلاّ ما يميز به بين الحس والمعنى، وبين الشريعة والحقيقة. إنَّ جهنم البُعد كانت مِرصاداً، للطاغين المتكبرين عن حط رؤوسهم للخبير، الباقين مع عامة أهل اليمين، مآباً لا يبرحون عنها، لابثين فيها أحقاباً مدة عمرهم وما بعد موتهم، لا يذوقون فيها برد الرضا، ولا شراب نسيم التسليم، إلاَّ حميماً: حر التدبير والاختيار، وغساقاً: نتن حب الدنيا وهمومها، جزاءً موافقاً لميلهم إلى الحظوظ والهوى، إنهم كانوا لا يرجون حِساباً، فلم يحاسبوا نفوسهم، ولا التفتوا إلى إخلاصها، وكذّبوا بأهل الخصوصية، وهم الأولياء الدالون على الله، ثم يقال لهم: ذّوقوا وبال القطيعة، فلن نزيدكم إلاّ تعباً وحرصاً وجزعاً. عائذاً بالله من سوء القضاء، وشماتة الأعداء.
يقول الحق جلّ جلاله:{إِنَّ للمتقين مفازاً} أي: فوزاً ونجاة من كل مكروه، وظفراً بكل محبوب، وهو مَفْعَلٌ من الفوز، يصلح أن يكون مصدراً ومكاناً، وهو الجنة، ثم أبدل البعض من الكل، فقال:{حدائقَ} ؛ بساتين فيها أنواع الشجر المثمر، جمع حديقة، وأبدل من المفرد، لأنَّ المصدر لا يجمع، بل يصلح للقليل والكثير، {وأعناباً} ، كرر لشرفه، لأنه يخرج منه أصناف مِن النِعم، {وكواعبَ} ؛ نساء نواهِد، وهي مَن لم تسقط ثديها لصغرٍ، {أتراباً} أي: لَدَاتٍ مستوياتٍ في السنّ، {وكأساً دِهاقاً} ؛ مملوءة.