للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكسبون من الكفر والجرائم حتى صارت عليهم كالصدأ للمرآة، فحال ذلك بينهم وبين معرفة الحق، كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن العبد كلما أذنب ذنباً حصل في قلبه نكتة سوداء، حتى يسوّد قلبه.. " الحديث، أي: ولذلك قالوا ما قالوا. والرين: الصدأ، يقال: ران عليه الذنب وغان ريناً وغيناً.

{كلاَّ} ردع وزجر عن الكسب الرائن {إِنهم عَن رَّبِّهِمْ يومئذٍ لمحجوبون} لَمَّا رانت قلوبهم في الدنيا حُجبوا عن الرؤية في الآخرة، بخلاف المؤمنين، لَمّا صفت مرآة قلوبهم حتى عرفوا الحق كشف لهم يوم القيامة عن وجهه الكريم. قال مالك: لَمّا حجب الله أعداءه فلم يروه تجلّى لأوليائه حتى رأوه. هـ. وقال الشافعي: في هذه الآية دلالة على أنَّ أولياء الله يرونه. هـ. وقال الزجاج: في هذه الآية دليل أن الله يُرى يوم القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة، ولمَا خصّصت منزلة الكفار بأنهم محجوبون عن الله. انظر الحاشية. {ثم إِنهم لصالُو الجحيم} أي: داخلو النار، و " ثم " لتراخي الرتبة، فإنّ صَلي الجحيم أشد من الإهانة، والحرمان من الرؤية والكرامة. {ثم يُقال} لهم: {هذا الذي كنتم به تُكَذِّبون} في الدنيا فذُوقوا وباله. وبالله التوفيق.

الإشارة: التطفيف يكون في الأعمال والأحوال، كما يكون في الأموال، فالتطفيف في الأعمال عدم إتقانها شرعاً، ولذلك قال ابن مسعود وسلمان رضي الله عنهما: الصلاة مكيال، فمَن وَفَّى وُفِّي له، ومَن طفَّف فقد علمتم ما قال الله في المطففين. هـ. فكل مَن لم يُتقن عملَه فعلاً وحضوراً فهو مطفف فيه. والتطفيف في الأحوال: عدم تصفية القصد فيها، أو بإخراجها عن منهاج الشريعة، قال تعالى: {ويل للمطفيين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ... } الخ، قال القشيري: يُشير إلى المقصّرين في الطاعة والعبادة، الطالبين كمال الرأفة والرحمة، الذين يستوفون من الله مكيال أرزاقهم بالتمام، ويكيلون له مكيال الطاعة بالنقص والخسران، ذلك خسران مبين، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم المشهد، مهيب المحضر، فلذلك فسدت أعمالهم واعتقادهم. هـ. يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم يكثر فيه الهول، ويعظم فيه الخطب على المقصّرين، وتظهر فيه كرامة المجتهدين ووجاهة العارفين.

{كلاَّ} ليرتدع المقصّر عن تقصيره؛ لئلا ينخرط في سلك الفجار، {إن كتاب الفجّار لفي سجين} المراد بالكتاب هنا: كتاب الأزل، وهو ما كتب لهم من الشقاوة قبل كونهم، قال صلى الله عليه وسلم: " السعيد مَن سعد في بطن أمه، والشقي مَن شقي في بطن أمه "

<<  <  ج: ص:  >  >>