جهنَّمَ} في الآخرة لكفرهم، {ولهم عذابُ الحريق} في الدنيا لِما تقدّم أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم، أو: عذاب الحريق: نار أخرى عظيمة تحرقهم في الآخرة، لسبب فتنتهم للمؤمنين. والجملة: خبر " إن " ودخلت الفاء لتضمين المبتدأ معنى الشرط، ولا ضَرَرَ في نسخة بـ " إنَّ " وإن خالف في ذلك الأخفش. الإشارة: والسماء ذات البروج، أي: سماء الحقائق، صاحبة المنازل التي تنزل فيها السالك في ترقِّبه إليها، مَن أرض الشرائع، كمقام التوبة، ثم الصبر، ثم الورع، والزهد، ثم التكُّل، ثم الرضا والتسليم، ثم المراقبة، ثم المشاهدة، واليوم الموعود يوم الفتح الأكبر، وهو وقت الخروج من شهود الكون إلى شهود المكوِّن، وشاهد هو الذي يشهد ذات الحق عياناً، ومشهود، هو عظمة الذات العلية وأسرارها وأنوارها. وقال الورتجبي: الشاهد هو والمشهود هو، يرى نفسه بنفسه، أي: لا يراه أحد بالحقيقة سواه، وأيضاً: الشاهد هو، إذا تجلّى بتجلِّي الجمال والحس، والمشهود قلوب العارفين شاهَدَها بنعت الكشف، وأيضاً: اشاهد هو قلوب المحبين، والمشهود لقاؤه، وهو شاهدهم وهو مشهودهم، هو شاهد العارف والعارف شاهده. هـ. قُتل أصحابُ الأخدود، وهم الصادُّون عن طريق الحق أينما كانوا وكيف كانوا، المعذِّبون لأهل التوجه، وما نقموا منهم إلاّ طلب كمال الإيمان، وتحقيق الإيقان. إنّ الذي فتنوا أهل التوجه ثم لم يتوبوا فلهم عذاب البُعد ولهم عذاب الاحتراق بالحرص والتعب والخوف والجزع.
ثم ثنى بأضدادهم، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله:{إِنّ الذين آمنوا} وصبروا على الإيمان {وعَمِلوا الصالحات} من المفتونين وغيرهم {لهم} بسبب ذلك الإيمان والعمل الصالح {جناتٌ تجري من تحتها الأنهارُ} ، إن أُريد بالجنات الأشجار فجريان الأنهار من تحتها ظاهر، وإن أُريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جريها الظاهرة، فإنَّ أشجارها ساترة لساحتها، كما يعرب عنه اسم الجنة. {ذلك هو الفوزُ الكبير} الذي تصغر عنده الدنيا وما فيها من فنون الرغائب بحذافيرها، والفوز: النجاة من الشر والظفر بالخير. والإشارة إمّا إلى الجنة الموصوفة بما ذكر، والتذكير لتأويلها بما ذكر، وإمّا إلى ما يفيده قوله:{لهم جنات ... } الخ، من حيازتهم لها، فإنَّ حصولها لهم مستلزم لحيازتهم لها قطعاً، وما فيه