معالجتها من المنجيات، والمقصود منها: عرفانها عند الحق بطريق القهر واللطف، حتى تكمل معرفةُ صانعها. هـ.
قال القشيري: فألهمها فجورها وتقواها: بأن خَذَلَها ووَفَّقَها، ويقال: فجورها: حركتها في طلب الرزق، وتقواها: سكونها لحُكْم التقدير. ثم قال: ويُقال: أفلح مَن طهَّرها من الذنوب والعيوب، ثم عن الأطماع في الأَعواض، ثم العبد نفسه عن الاعتراض على الأنام، وعن ارتكاب الحرام، وقد خاب مَن خان نفسه وأهملها عن المراعاة، ودسَّها بالمخالفات، وفي نوادر الأصول ما حاصله: أنَّ دسّاها بمنزلة مَن دسّ شيئاً في كوة، يمنع من دخول الضوء، كذلك الهوى والشهوة سدّ وغلّق على القلب من حصول ضوء القربة والوصلة. هـ.
يقول الحق جلّ جلاله:{كذبتْ ثمودُ} صالحاً {بطغواها} أي: بسبب طغيانها، إذ الحامل لهم على التكذيب هو طغيانهم، وفيه وعظ لأمثالهم، وتهديد للحاضرين الطاغين؛ لأنَّ الطغيان أجرم الجرائم الموجبة للهلاك والخيبةِ في الدنيا والآخرة. {إِذ انبعث أشقاها} ، منصوب بـ " كذبتْ "، أي: حين قام أشقى ثمود، وهو: قُدّار بن سالف، أو: هو ومَن تصدّى معه للعقر من الأشقياء، فإنَّ أفعل التفضيل إذا أضيف يصلح للواحد والمتعدد، والمذكر والمؤنث. وفضل شقاوتهم على مَن عداهم لمباشرتهم العقر مع اشتراك الكل في الرضا به.
{فقال لهم} أي: لثمود {رسولُ الله} صالح عليه السلام، عبَّر عنه بعنوان الرسالة إيذاناً بوجوب طاعته، وبياناً لغاية عتوهم، وهو السر في إضافة الناقة إليه تعالى في تقوله:{ناقةَ الله} أي: احذروا عقرها، أو احفظوها، {و} الزموا {سُقياها} فلا تُدَوروها في نوبتها، وهما منصوبان على التحذير. {فكذّبوه} فيما حذّرهم به من نزول العذاب بقوله: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُواءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الأعراف: ٧٣] ، {فعقروها} ، أسند الفعل إليهم، وإن كان العاقر واحداً، لقوله: {فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىا فَعَقَرَ (٢٩) } [القمر: ٢٩] لرضاهم به. قال قتادة: بلغنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم. وذكرانهم وإناثهم ". {فَدَمْدَمَ عليهم ربُّهم} ؛ فأطبق عليهم العذاب حتى استأصلهم. قال الهروي: إذا كررت الإطباق قلت: دمدمت عليه، أي: أدمت عليه الدمدمة، وقيل: فدمدم عليهم: عَضِبَ عليهم، {بذنبهم} ؛ بسبب ذنبهم، وصّرح به مع دلالة الفاء عليه للإيذان بأنه عاقبة كل ذنب ليعتبر