وقوله:(فإن تولوا) : فعل ماض مجزوم المحل، ولم يدغمه البَزِّي هنا، على عادته في الماضي، لعدم موجبه.
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد لمن يدّعي أنه يحب الله ولا يتبع رسوله: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ كما زعمتم، فَاتَّبِعُونِي في أقوالي وأفعالي وأحوالي، يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أي: يرضى عنكم ويقربكم إليه، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ أي: يكشف الحجاب عن قلوبكم بغفران الذنوب ومحو العيوب، فيقربكم من جناب عزه، ويبوئكم في جِوار قدسه، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لمن تحبب إليه بطاعته واتباع رسوله.
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ فيما يأمركم به وينهاكم عنه، وَالرَّسُولَ فيما يَسُنه لكم ويرغبكم فيه، فَإِنْ تَوَلَّوْا وأعرَضوا عنه، فقد تعرضوا لمقت الله وغضبه بكفرهم به فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ أي: لا يرضى عنهم ولا يقبل عليهم، وإنما لم يقل: لا يحبهم لقصد العموم، والدلالة على أن التولي عن الرسول كفر، وأنه برئ من محبة الله، وأن محبته مخصوصة بالمؤمنين.
رُوِيَ أن نصارى نجران قالوا: إنما نعظم المسيح ونعبده، حباً لله وتعظيماً لله. فقال تعالى:(قل) يا محمد: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ تعالى فَاتَّبِعُونِي ... الآية. ولما نزلت الآية قال عبد الله بن أُبَيّ لأصحابه: إن محمداً يجعل طاعته كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى، فنزل قوله تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ الآية. وقال- عليه الصلاة والسلام-: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أَطَاعَ الإمامَ فَقدْ أطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله وَمَنْ عصَى الإمامَ فَقَدْ عَصَانِي» .
الإشارة: اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلم رُكن من أركان الطريقة، وشرط في إشراق أنوار الحقيقة، فمن لا اتباع له لا طريق له، ومن لا طريق له لا وصول له، قال الشيخ زروق رضي الله عنه:(أصول الطريقة خمسة أشياء: تقوى الله في السر والعلانية، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار، والرجوع إلى الله في السراء والضراء، والرضى عن الله في القليل والكثير) .
فالرسول- عليه الصلاة والسلام- حجاب الحضرة وبَوَّابُها، فمن أتى من بابه بمحبته واتباعه، دخل الحضرة، وسكن فيها، ومن تنكب عنها طُرِد وأُبعد، وفي ذلك يقول القائل:
وأنتَ بابُ الله، أيّ امرئ ... وافاه من غَيْرِكَ لاَ يدْخُلُ
وقال في المباحث:
تَبِعَهُ العَالِم في الأقوال ... والعابد الزاهد في الأفعال
وفيهما الصوفي في السباق ... لكنه قد زاد في الأخْلاَقِ