هذا ولانطواء السورة الكريمة، مع تقارب قطريها، على أنواع المعارف الإلهية والأوصاف القدسية، والرد على مَن ألحد فيها، ورد في الحديث النبوي: أنها تعدل ثلث القرآن، فإنّ مقاصده منحصرة في بيان العقائد والأحكام والقصص، وقد استوفت العقائد لمَن أمعن النظر فيها. عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أُسست السموات السبع والأرضون السبع على {قل هو الله أحد} " أي: ما خلقت إلاَّ لتكون دلائل توحيده، ومعرفة ذاته، التي نطقت بها هذه السورة الكريمة.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلاً يقرؤها، فقال:" " وجبت " فقيل: وما وجبت؟ فقال: " الجنة "، وشكى إليه رَجُلٌ الفقرَ وضيق المعاش، فقال له صلى الله عليه وسلم: " إذا دخلت بيتك فسَلِّم، إن كان فيه أحد، وإلا فسَلِّم عليّ واقرأ:{قل هو الله أحد}" ففعل الرجل، فأدرّ اللهُ عليه الرزق، حتى أفاض على جيرانه "، وخرّج الترمذي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ {قل هو الله أحد} مائتي مرة في يوم غُفرت له ذنوب خمسين سنة، إلاّ أن يكون عليه دَيْن "، وفي الجامع الصغير أحاديث في فضل السورة تركناه خوف الإطناب.
الإشارة: قد اشتملت السورةُ على التوحيد الخاص، أعني: توحيد أهل العيان، وعلى التوحيد العام، أعني: توحيد أهل البرهان، فالتوحيد الخاص له مقامان: مقام الأسرار الجبروتية، ومقام الأنوار الملكوتية، فكلمة (هو) تُشير إلى مقام الأسرار اللطيفة الأصلية الجبروتية. و (الله) يشير إلى مقام الأنوار الكثيفة المتدفقة من بحر الجبروت؛ لأنّ حقيقة المشاهدة: تكثيف اللطيف، وحقيقة المعاينة: تلطيف الكثيف، فالمعاينة أرقّ، فشهود الكون أنواراً كثيفة فاضت من بحر الجبروت مشاهدة، فإذا لَطَّفها حتى اتصلت بالبحر اللطيف المحيط، وانطبق بحر الأحدية على الكل سُميت معاينةً، ووصفه تعالى بالأحدية والصمدية والتنزيه عن الولد والوالد يحتاج إلى استدلال وبرهان، وهو مقام الإيمان، والأول مقام الإحسان، فالآية من باب التدلي.
قال القشيري: يقال كاشَفَ تعالى الأسرارَ بقوله (هو) والأرواحَ بقوله: (الله) وكاشف القلوبَ بقوله: (أحد) وكاشف نفوسَ المؤمنين بباقي السورة. ويُقال: كاشف الوالهين