يقول الحق جلّ جلاله، حاكياً عن اليهود:(و) قالوا لا تُؤْمِنُوا أي: لا تقروا، أو تصدقوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من العلم والحكمة وفلق البحر وسائر الفضائل، إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دين اليهودية، وكان على دِينَكُمْ، ولا تؤمنوا أن يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لأنكم أصح ديناً منهم. قال الحق جل جلاله: قُلْ لهم: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ يهدي به مَن يشاء، وإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ.
أو يقول الحق جلّ جلاله: وقالوا: لا تصدقوا ولا تذعنوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وكان من جلدتكم، فإن النبوة خاصة بكم. فكذبهم الحق بقوله: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ، يخص بها مَن يشاء من عباده، فكيف تحصرونها فيكم؟ لأجل أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ قلتم ما قلتم، ودبرتم ما دبرتم، حسداً وبغياً، (أو) خوفاً أن يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، يغلبوكم بالحجة لظهور دينهم، قُلْ يا محمد: إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ فلا ينفع في رده حيلة ولا خدع.
أو يقول الحق جلّ جلاله، للمؤمنين، تثبيتاً لهم وتشجيعاً لقلوبهم: ولا تصدقوا يا معشر المؤمنين أن يعطي أحد مثل ما أوتيتم من الفضل والدين القويم إلا من تبع دينكم الحق، وجاء به من عند الحق، ولا تصدقوا أَوْ يُحاجُّوكُمْ في دينكم عِنْدَ رَبِّكُمْ، أو يقدر أحد على ذلك، فإن الهدى هدى الله والفضل بيد الله، يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ الفضل والكرم، عَلِيمٌ بمن يستحق الخصوصية والفضل، يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ كالنبوة وغيرها، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ لا حصر لفضله، كما لا حصر لذاته.
الإشارة: يقول الحق- جلت ذاته، وعظمت قدرته- لأهل الخصوصية: ولا تقروا بالخصوصية إلا لمن كان على دينكم وطريقكم، وتزيّاً بزيكم، وبذل نفسه وفلسه في صحبتكم، مخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الخصوصية، وهو ليس أهلاً لها، فيأخذها علماً، فإما أن يتزندق أو يتفسق، أو يحاجوكم بالشريعة فيريق دماءكم كما وقع للحلاج رضي الله عنه وفي ذلك يقول الشاعر:
ومن شَهِدَ الحَقِيقَةَ فَلْيَصُنْهَا ... وإلا سوف يقتل بالسنان
كحلاج المحبة إذ تبدت ... له شمس الحقيقة بالتداني «١»