للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: (الآيات) : مقام إبراهيم، وأمْنُ من دخله، فعلى هذا يكون: (ومن دخله) ، عطفاً على (مقام) ، وعلى الأول: استئنافاً. و (حج البيت) مبتدأ، و (لله) : خبر، والفتح لغة الحجاز، والكسر لغة نجد، و (من استطاع) : بدل من (الناس) ، وقيل: فاعل.

يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ في الأرض لِلنَّاسِ للذي استقر بمكة، وبعده بيت المقدس، وبينهما أربعون سنة. بنت الأولَ الملائكة حيالَ البيت المعمور، وأمر اللهُ مَنْ في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور، ثم بُنِيَ الثاني. وقيل: بناهما آدم عليه السلام ثم جدَّد الأول إبراهيمُ. حال كونه مُبارَكاً لأنه يتضاعف فيه الحسنات، بكل واحدة مائة ألف، وتكفر فيه السيئات، وتنزل فيه الرحمات، وتتوارد فيه النفحات.

فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ واضحات، منها: الحجر الذي هو مَقامُ إِبْراهِيمَ، وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، فكان كلما طال البناء ارتفع به الحجر في الهواء، حتى أكمل البناء، وغرقت فيه قدمه كأنه طين، ومنها: أن الطير لا تعلوه، ومنها: إهلاك أهل الفيل وردُّ الجبابرة عنه، ونبع زمزم لهاجر بهمز جبريل عليه السلام، وحفر عبد المطلب لها بعد دُثُورها، وأن ماءها ينفع لما شُرب له، وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً من العقاب في الدارين لدعاء الخليل: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً، فكان في الجاهلية كل من فعل جريمةً، ثم لجأ إليه لا يُهَاج «١» ولا يعاقب مادام به، وأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من الحدود ولا من القصاص. وقال أبو حنيفة:

الحكم باق، وإن من وجب عليه حد أو قصاص فدخل الحرم لا يهاج،، لكن يُضيَّق عليه، فلا يطعم ولا يباع له حتى يخرج.

قال- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ مَاتَ في أحد الحرمين بعثه اللهُ من الآمنين» . وقال أيضاً: «مَنْ حَجَّ هذَا البَيْتَ- فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ من ذُنُوبِه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّه» .

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فرض عين على مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا بالقدرة على الوصول بصحة البدن، راجلاً أو راكباً مع الزاد المُبلِّغ، والأمن على النفس والمال والدين. وقيل: الاستطاعة: الزاد والراحلة.

وَمَنْ تركه، وكَفَرَ به، كاليهود والنصارى، وكل من جحده، فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عنه، وعَنِ حجه، وعن جميع الْعالَمِينَ، أو عبر بالكفر عن الترك، تغليظاً كقوله: «مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ فَقَدْ كَفَر» روى أنه- عليه الصلاة والسلام- لما نزل صدر الآية- جمع أرباب الملل، فخطبهم، وقال: «إن الله كتب عليكم الحج فحجوا» ، فآمنت به ملة واحدة، وكفرت به خمس ملل، فنزل وَمَنْ كَفَرَ ... إلخ.


(١) أي: لا يقاتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>